جهود السلام اليمني تقف عند خط النار
للأسبوع العاشر منذ انقضاء الهدنة اليمنية لا تزال جهود السلام تراوح عند خط النار، جراء رفض الحوثيين المستمر للمقترحات الأممية وتصعيدهم غير المسبوق الذي سمّاه العالم إرهابياً ضد منشآت الطاقة وموانئ تصدير النفط، وهو ما يهدّد بعودة تفجر الأوضاع عسكرياً على نحو شامل، وفق مخاوف محلية وأممية ودولية.
ومع أنه من غير الواضح حتى الآن إن كان في يد المجتمع الدولي والأمم المتحدة ما يمكن أن يتم الضغط به لإيجاد اختراق يضع الجماعة الحوثية على مسار السلام باعتباره الأقل كلفة من ناحية إنسانية، يبدو التوصل إلى مسار من هذا القبيل بعيد المنال بخاصة في ظل قراءة الحوثيين للمساعي الدولية والأممية والتنازلات الحكومية على أنها نوع من الضعف.
ورغم الهدوء النسبي السائد على امتداد خطوط النار منذ انتهاء الهدنة وعدم تجديدها وفق المقترح الأممي في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن احتمالية انفجار الأوضاع عسكرياً لا يزال مرجحاً بقوة في ظل عجز الوسطاء الإقليميين والدوليين والمبعوث الأممي عن إقناع الحوثيين بأفضلية إنهاء الانقلاب والعودة إلى المسار الانتقالي التوافقي الذي انقلبوا عليه أواخر 2014.
وفي حين لا تخفي الجماعة الحوثية نواياها في الاستمرار في خيار العنف لتحقيق المزيد من المكاسب على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لا يبدو أن القوى اليمنية المنضوية تحت لواء الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي تستصبر إلى ما لا نهاية في «انتظار الذي لا يجيء» بخاصة بعد أن وصل التهديد الحوثي إلى العصب الاقتصادي الأهم الذي تقوم عليه الحكومة الشرعية لتسيير سلطاتها في المناطق المحررة.
المخاوف من عودة القتال على نطاق واسع، ظهرت علانية في تصريحات المبعوث الأممي الذي اكتفى في آخر إحاطاته بأن يكون كلامه أمام مجلس الأمن في جلسات مغلقة، كما عبّرت عن تلك المخاوف البيانات الأوروبية والأميركية.
أحدث هذه التصريحات جاءت في اجتماع مشترك للسفير الأميركي لدى اليمن ونظرائه في الاتحاد الأوروبي، الخميس، حيث شددوا في بيان مشترك على ضرورة تجنب التصعيد، لإعادة توسيع الهدنة الأممية.
وبحسب ما ذكره حساب بعثة الاتحاد الأوروبي على «تويتر» فقد أكد السفراء على «الحاجة لتجنب التصعيد وضبط النفس والتعاطي البنَّاء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لإعادة تثبيت هدنة طويلة وموسعة».
من ناحية أخرى، قد يرى الحوثيون أن أفضل مرحلة بالنسبة لهم هي بقاء الوضع كما هو عليه بعد أن بات في يدهم مكاسب جديدة على رأسها موارد موانئ الحديدة واستمرار تدفق الوقود دون عوائق، فضلاً عن سهولة تحرك عناصرهم عبر مطار صنعاء ولو عبر وجهة دولية واحدة حتى الآن، ما يعني أنهم حصلوا على مزيد من المال لتثبيت انقلابهم وتطييف المجتمعات المحلية الواقعة تحت سيطرتهم وتعضيد قوتهم العسكرية سواء عبر الخبرات الإيرانية أو من خلال الأسلحة المهربة.
في المقابل، بات مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية في موقف لا يحسد عليه أحد جراء عدم تمكنهم من تصدير النفط الخام من المناطق المحررة بسبب التهديدات الإرهابية الحوثية، وهذا سيلقي عليهم أعباء ثقيلة للاستمرار في إدارة هذه المناطق، ما لم يكن الخيار هو نسف كل الاتفاقات السابقة والعودة إلى الخيار العسكري، حيث يجزم أغلب الموالين للشرعية بأنه لا بديل عن استعادة صنعاء، مهما طال أمد الصراع.
عجز دولي وأممي
أمام الانغلاق الحاصل، حيث تسود أجواء اللاحرب واللاسلم، يحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الداعمة لليمن دفع جهود الهدنة الأخيرة، وكان الخطاب قاسياً وإن لم يكن بحسب المأمول عند كثير من اليمنيين، إلا أنه لم يكن اعتيادياً ضد الحوثيين، ورغم ذلك فإن الأحداث والواقع يقولان إن الجماعة لم تنخرط ولم تتجاوب حتى مع تلك الضغوط، وهو ما عكس حالة سلبية للجهود الدبلوماسية عند الأوساط الشعبية اليمنية.
يعتقد الأكاديمي والباحث اليمني فارس البيل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن المجتمع الدولي «بات عاجزاً أمام تعنت الميليشيات الحوثية».
ويقول: «حتى الهدنة التي رأى المجتمع الدولي فيها أرضية سهلة يمكن جر الحوثية إليها، وقدم لها هدية قبول شروطها التعجيزية عبر تنازل الشرعية، باعتبار الهدنة ستشكل مدخلاً لترويض الميليشيا وإخراجها من دائرة الحرب نحو التفاوض، باتت غير مجدية وقادت إلى مزيد من التعنت»، مضيفاً أن «الميليشيا كانت أوضح من المجتمع الدولي في تعنتها السافر، ورفضها للتقدم ولو ربع خطوة، وهو ما يضع المجتمع الوسيط أمام حرج كبير، ونفاد للخيارات الناعمة مع الميليشيا، إذ لم يكن يتوقع المجتمع الدولي أن يصل الحد بالميليشيا لرفض كل خياراته، بينما الشرعية تمد يدها بيسر، والآن يبدو المجتمع الدولي لاهثاً للعودة ولو إلى الهدنة التي صارت بعيدة المنال، في حين كان يريد من الهدنة أن تحرك عربة التفاوض».
«كل هذا الانسداد الذي بنته ميليشيا الحوثي رفع من نبرة العتب ضدها من الدول الوسيطة، لكن الميليشيا ستظل تراوغ حتى لا يحصلوا منها على شيء»، طبقاً لفارس البيل، الذي جزم بأن مراد الميليشيات الحوثية يتمثل في عودة الحرب، وعلل ذلك بالقول: «إن الحرب مهمتها الأساسية والوحيدة، ومن دون الحرب والتدمير تفقد الميليشيا قيمة وجودها، وتموت، حتى إنها تخسر على كل صعيد سواء في حالة السلم أو اللاحرب، فهي ليست صاحبة مسؤولية مدنية أو سياسية أو اقتصادية تجاه الناس، وكل ما تجيده هو حشدهم للحرب وابتزازهم لأجلها».
ولا يستبعد الأكاديمي اليمني أن تندلع الحرب من جديد وفي أقرب فرصة لأن الظروف الإقليمية التي فرضت الهدنة – وفق تقديره - «ستتغير، وتعود الميليشيا لممارسة دور التهديد لأسباب داخلية، وأسباب تكتيكية ومعنوية لمساندة النظام الإيراني الذي يعاني كثيراً الآن، جراء انتفاضة الشعب الإيراني».
ترجيح كفة الحرب
على الرغم من دعم الحكومة اليمنية والتحالف وغالبية الدول المؤثرة في الأزمة اليمنية المسار الأممي والمبعوث هانس غروندبرغ، فإن الأوضاع في الشارع اليمني قد لا تتطابق مع ذلك الدعم الدبلوماسي.
هناك حالة من الشعور بالغبن، وفق محللين ربطوا استفادة المواطنين اليمنيين من الهدنة السابقة وحدهم دون غيرهم. لم تنعكس الهدنة والفوائد التي جناها مواطنون في صنعاء استطاعوا أن يسافروا للعلاج على فتح الطرق المحاصرة من قبل الحوثيين في تعز على سبيل المثال، وهو ما خلف حالة من الحنق على الأمم المتحدة.
يقرأ المحلل السياسي والإعلامي اليمني محمود الطاهر، الأمر من زاوية الإخفاق الأممي في إقناع الحوثيين حتى الآن ويرى أن الفشل «سيرجح كفة الحرب».
ويقول الطاهر لـ«الشرق الأوسط» إن المبعوث هانس غروندبرغ «يراوح في مكانه من دون قدرة على تحقيق أي اختراق في جدار الأزمة، بسبب تعنت الميليشيا الحوثية الإرهابية، وفشله في إدارة ملف المفاوضات بمهنية عادلة، وذلك نهاية على ما يبدو لكل الحلول السياسية».
ومع أن الهدنة الأممية لا تزال سارية بشروطها رغم عدم تجديدها، لكن يرى الطاهر أن ذلك أشبه بـ«الرماد الذي يطفو على الجحيم، حيث ستندلع النيران منه في حال هبوب أي نوع من الرياح، وهو ما يعني أن ما يحصل حالياً هو توقيت مؤقت واستراحة مهما كان وقتها، قبل أن تندلع حرب كبيرة، لأن العالم وصل إلى قناعة كبيرة بأن الحوثي ليس مؤهلاً للسلام».
ويعتقد أن الوضع العسكري «قد ينفجر في أي وقت في ظل المعطيات الراهنة وأهمها استمرار تعنت الحوثي ورفضه لأي مقترح أممي أو دولي، ورفضه للسلام، وفرضه للشروط المتطرفة التي تؤكد أنه جماعة إرهابية». يضيف الطاهر أن «كل ذلك يشير إلى استحالة إحلال السلام بالمفاوضات مع جماعة لا تؤمن إلا بالإرهاب والحرب والدمار، أضف لذلك رد مجلس القيادة الرئاسي تجاه هذه الجماعة، بتصنيفها إرهابية، ما يؤكد استحالة السلام معها، وهو إجراء ناتج عن وصول الجميع لقناعة بأن إحلال السلام في اليمن يجب أن يفرض بالطرق العسكرية والقضاء على الإرهاب»، وفق تعبيره.
وكانت الحكومة اليمنية دعت، في أكثر من مناسبة، المجتمع الدولي لتصنيف الميليشيات الحوثية على لوائح الإرهاب العالمي، وأقرت حظر وتجميد 12 كياناً محلياً (شركات ومؤسسات) متهمة بدعم الميليشيات، وذلك في سياق تنفيذ قرار مجلس الدفاع الوطني الرامي إلى معاقبة الجماعة وقادتها وتجفيف مصادر تمويلها بعد تصنيفها «إرهابية» وفق القوانين المحلية.
الشرق الاوسط