الشاي... تأكيدات علمية لفوائده الصحية
الشاي ثاني مشروب بعد الماء يتناوله البشر، للضيافة أو لراحة المزاج. هذا ما تفيد به الإحصائيات العالمية.
- نتائج غير حاسمة
ووفق دراسة أميركية حديثة، فإن شرب كوبين منه كل يوم قد يقلل أيضاً من احتمالات الوفاة المبكّرة. وهذا ما يمنح مزيداً من الدعم العلمي لما تتبناه أوساط التغذية الإكلينيكية حول الفوائد الصحية لشرب الشاي.
ووفق ما نشر ضمن عدد 30 أغسطس (آب) من مجلة «حوليات الطب الباطني» Annals of Internal Medicine، عرض باحثون من المعهد الوطني الأميركي للسرطان في بيثيسدا بماريلاند دراستهم الواسعة والطويلة الأمد بعنوان «استهلاك الشاي وجميع أسباب الوفيات المحددة السبب من البنك الحيوي في المملكة المتحدة».
وقال الباحثون في خلفية الدراسة: «يُستهلك الشاي بشكل متكرر في جميع أنحاء العالم. والشاي الأسود هو النوع الرئيسي المستهلك؛ لكن الارتباط بين شرب الشاي الأسود و(انخفاض) الوفيات بين الناس، يظل غير حاسم. والهدف من الدراسة تقييم الارتباطات بين استهلاك الشاي وبين الوفيات من جميع الأسباب، وأيضاً الوفيات ذات أسباب معينة». واستخدم الباحثون مجمل البينات من البنك الحيوي في المملكة المتحدة؛ حيث ينتشر شرب الشاي. وشملوا حوالي نصف مليون شخص (من النساء والرجال) تتراوح أعمارهم ما بين 40 و69 سنة من العمر. وتمت متابعتهم لأكثر من 11 سنة.
وأوضح الباحثون أنهم تتبعوا مدى ارتباط تناول الناس للشاي بعموم معدلات الوفيات بينهم خلال تلك الفترة الطويلة. كما تتبعوا بشكل أدق، علاقة شربهم للشاي باحتمالات وفاتهم بأحد الأمراض السرطانية، أو أمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية، وأيضاً الناجمة عن أمراض الجهاز التنفسي.
- الشاي والوفيات
وبعد متابعة استمرت أكثر من 11 عاماً بالمتوسط، وبالمقارنة مع الأشخاص الذين لا يشربون الشاي، أفادوا بثلاث نتائج رئيسية، هي:
1- ارتبط تناول الشاي بكميات كبيرة، كوبين أو أكثر يومياً، مع انخفاض بنسبة 13 في المائة في مخاطر الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب.
2- ارتبط تناول الشاي بكميات كبيرة مع انخفاض الوفيات من جميع الأمراض القلبية الوعائية والسكتة الدماغية. وكانت النتائج متشابهة بغض النظر عما إذا كان المشاركون قد شربوا القهوة أيضاً أم لا، وبغض المنظر عن الاختلافات الجينية في عملية التمثيل الغذائي للتخلص من الكافيين من الجسم.
3- لم تختلف هذه النتائج الإيجابية لشرب الشاي مع أي إضافات له.
وقالوا في خلاصة الدراسة: «بين أولئك الذين يشربون كوبين أو أكثر يومياً، ارتبط هذا التناول العالي للشاي بانخفاض خطر الوفاة، بغض النظر عن الاختلاف الجيني في استقلاب الكافيين. وتشير هذه النتائج إلى أن الشاي، حتى عند تناوله بكميات كبيرة، يمكن أن يكون جزءاً من نظام غذائي صحي».
وتأتي أهمية هذه الدراسة من عدة جوانب، منها إجراؤها بتمويل من المعهد الوطني الأميركي للسرطان، وضمن سلسلة أبحاثه العلمية. وكذلك من كونها تمت في أحد المجتمعات الغربية وليس الآسيوية فقط. وهي نقطة كان قد علق عليها الدكتور هوارد سيسو، الأستاذ المشارك في قسم علم الأوبئة بجامعة هارفارد، ضمن حديثه عن الدراسات حول الشاي في عام 2019، بقوله: «أظهرت بعض الدراسات أدلة واعدة على الفوائد؛ لكنها أجريت في الغالب في آسيا. وقد لا تكون نتائجها قابلة للتعميم في الولايات المتحدة؛ حيث يشرب الناس كمية أقل بكثير من الشاي».
وعلقت الدكتورة ماكي إينو- تشوي، الباحثة الرئيسة في الدراسة، من المعهد الوطني للسرطان بالولايات المتحدة، بالقول: «في حين أن هذه النتائج قد توفر الطمأنينة لمن يشربون الشاي، فإنها لا تشير إلى أنه يجب على الناس البدء في شرب الشاي أو زيادة استهلاكهم للشاي من أجل الفوائد الصحية». وأضافت قائلة: «المركبات المضادة للأكسدة مثل البوليفينول Polyphenols والفلافونويد Flavonoids، أي الكاتيشين Catechins، لديها القدرة على تقليل الإجهاد التأكسدي والالتهابات، وتحمي من السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والحالات الصحية الأخرى. وإذا كنت تشرب كوباً واحداً في اليوم بالفعل، أعتقد أن هذا جيد، واستمتع به».
ومن جانب آخر، علقت الدكتورة لوري رايت، المتحدثة الرسمية باسم «الأكاديمية الأميركية للتغذية والحمية» AND، والأستاذة المساعدة في جامعة جنوب فلوريدا، بقول عدد من النقاط المهمة: «أعتقد أنه تأكيد جيد حقاً أن الشاي يمكن أن يكون جزءاً من نظام غذائي جيد صحياً. يحتوي الشاي على خصائص قوية مضادة للالتهابات تساعد في تعويض الالتهابات التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالأمراض. الشاي في حد ذاته لن يبطل آثار النظام الغذائي غير الصحي؛ لكن الشاي يمكن أن يزيد من فوائد النظام الغذائي الصحي».
وفي تعليق آخر على هذه الدراسة، قال الدكتور جاي مينتز، مدير صحة القلب والأوعية الدموية وعلم الدهون في مستشفى نورثويل هيلث في نيويورك: «الشاي له فوائد مفيدة للقلب والأوعية الدموية كعامل مساعد للتوصيات الطبية».
- الشاي والشرايين
وفي دراسة سابقة تم نشرها ضمن مجلة رابطة القلب الأميركية JAHA، علقت عليها الرابطة في نشرتها الإخبارية بالقول: «أشارت أبحاث سابقة إلى أن تناول مزيد من الشاي قد يقلل بشكل كبير من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية. وفقاً لدراسة جديدة نُشرت في مجلة رابطة القلب الأميركية، راقبت الدراسة أكثر من 80 ألف شخص على مدى 6 سنوات. ووجدت أن من يشربون الشاي بانتظام لديهم بطء في انخفاض الكولسترول الحميد مع تقدم العمر. وارتبط هذا الانخفاض بانخفاض بنسبة 8 في المائة في مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».
وكما يقول باحثون من جامعة هارفارد بكثير من الواقعية والدقة العلمية: «وجدت أبحاث الملاحظة الرصدية Observational Studies أن تناول ما بين 2 و3 أكواب من الشاي يومياً يرتبط بتقليل مخاطر الوفاة المبكرة وأمراض القلب والسكتة الدماغية. ومع ذلك، قد يكون ثمة خطر متزايد للإصابة بسرطان المريء والمعدة من شرب الشاي الساخن جداً (فوق 60 درجة مئوية). وهناك حاجة لتجارب عشوائية ضابطة Randomized Controlled Trials لتأكيد ما إذا كانت هذه الارتباطات الصحية والضارة هي ارتباطات سببية (علاقة السبب بالنتيجة).
وفي غضون ذلك، يبدو أن هناك مخاطر قليلة مرتبطة بشرب الشاي، باستثناء الاستهلاك المتكرر للشاي شديد السخونة. لذا اختر من الشاي لوناً، واتركه يبرد، واستمتع بالكوب».
- درجات التقييم العلمي للفوائد المحتملة لشرب الشاي
> تفيد «المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة» NIH، بأن قاعدة البيانات الشاملة للأدوية الطبيعية Natural Medicines Comprehensive Database تُصنف معدلات الفعالية لأي منتج غذائي، بناءً على قوة الأدلة العلمية. وذلك وفقاً لسبع درجات في المقياس التالي: فعّال، ومن المحتمل أن يكون فعّالاً، وربما يكون فعّالاً، وربما يكون غير فعّال، ومن المحتمل أن يكون غير فعّال، وغير فعّال، والأدلة العلمية غير كافية للتصنيف.
وعليه، توضح المؤسسة القومية للصحة بالولايات المتحدة تقييمات فعالية الشاي الأسود كما يلي:
1- شرب الشاي من المحتمل أن يكون فعّالاً لـ:
- اليقظة العقلية: يساعد شرب الشاي الأسود على إبقاء الناس يقظين وتحسين الانتباه، حتى بعد فترات طويلة من دون نوم.
2- شرب الشاي ربما يكون فعّالاً لـ:
- ضغط دم منخفض: يساعد الشاي الأسود على رفع ضغط الدم لدى كبار السن الذين يعانون من انخفاض ضغط الدم بعد تناول الطعام.
- لتقليل النوبة القلبية: يبدو أن الأشخاص الذين يشربون الشاي الأسود أقل عرضة للإصابة بالنوبة القلبية.
- هشاشة العظام: يبدو أن شرب الشاي الأسود بانتظام يحسن صحة العظام بمقدار صغير.
- سرطان المبيض: يبدو أن النساء اللواتي يشربن الشاي بانتظام، بما في ذلك الشاي الأسود أو الشاي الأخضر، أقل عرضة للإصابة بسرطان المبيض، مقارنة بمن لا يشربن الشاي أبداً أو نادراً.
- مرض الشلل الرعاشي (مرض باركنسون): يبدو أن الأشخاص الذين يتناولون مشروب الشاي الأسود، أقل عرضة للإصابة بمرض باركنسون.
3- شرب الشاي ربما يكون غير فعّال لـ:
- خفض الإصابات بسرطان المثانة، وسرطان الثدي، وسرطان القولون، وسرطان المستقيم، وسرطان بطانة الرحم، وسرطان المريء، وسرطان المعدة، وسرطان الرئة.
- تحسين مستويات السكر في الدم لدى مرضى السكري، أو انخفاض الإصابة بمرض السكري.
إعداد الشاي... خطوات صحية لاستخلاص فوائده
> إضافة إلى الحصول على جودة الطعم، ثمة خطوات صحية لإعداد أنواع الشاي؛ لأنه فرصة لتلقي كمية جيدة من المواد المضادة للأكسدة المفيدة لأعضاء شتى في الجسم. وكذلك الحصول على الكافيين، إضافة إلى مئات المركبات الكيميائية الأخرى ذات الفاعلية الحيوية في الجسم. تُقطف أوراق الشاي من شجرة واحدة، ووفق طريقة التعامل الإنتاجي مع تلك الأوراق الخضراء عند قطفها، نحصل على أنواع من الشاي. وثمة أنواع أربعة رئيسية، هي: الشاي الأسود، والأخضر، والأولونغ، والأبيض. وعند قطف الأوراق بعناية وتجفيفها كما هي، أي دون أن يلحق تلك الأوراق أي تقطيع أو خدوش، فإننا سنحصل على الشاي الأخضر. بينما نحصل على الشاي الأسود حينما يتم تقطيع الأوراق تلك، لتحصل عملية الأكسدة بشكل أقوى أثناء عملية تخمرها وجفافها، ويكون مشروبه ذا لون أحمر. والشاي الأبيض يأتي من أوراق البراعم الصغيرة التي يتم تجفيفها بهيئتها الطبيعية. أما شاي أولونغ فيتم تقطيع الأوراق فيه بحجم أكبر، لتكون عمليات الأكسدة أقل مما في الشاي الأسود، ولذا لون مشروبه بين الأحمر والأخضر. ويحتوي الشاي الأخضر كمية أعلى من مضادات الأكسدة، وأقل احتواء على الكافيين. والعكس في الشاي الأسود. ومن الناحية الصحية، ثمة 3 نقاط:
- عدم شربه ساخناً، وذلك حماية للمريء والمعدة من تأثيرات الحرارة المتكررة على المدى الطويل (وخصوصاً السرطان).
- تقليل إضافة السكر إلى مشروب الشاي.
- اختيار الطرق الملائمة للمزج والنقع في الماء الحار، وفق نوع الشاي. وللتوضيح حول نوعية الماء، يُسخّن الماء العذب إلى درجة الغليان، وليس ماءً تم تسخينه من قبل ثم برد. وللشاي الأخضر أو الأبيض، يجدر أن يبرد الماء قليلاً بعد الغليان؛ لأن حرارة الماء الشديدة تتسبب بالمرارة في مشروبه، بخلاف الشاي الأسود الذي يحتاج إلى الماء المغلي مباشرة.
وبالنسبة لمدة المزج، ووفق ما دلت عليه دراسة لباحثين من معهد تكنولوجيا الأطعمة بالولايات المتحدة، الأفضل نقع الشاي الأخضر والأبيض لمدة 3 دقائق أو أقل، وهو وقت كافٍ لتحرير كمية جيدة من المواد المضادة للأكسدة، وتوفرها في مشروبه. بينما يحتاج الشاي الأسود إلى المزج بالماء المغلي إلى أكثر من 5 دقائق، لاستخلاص المواد المضادة للأكسدة في مشروبه. ولكن كلما كان وقت المزج أقصر للشاي الأسود، احتوى المشروب كمية أقل من الكافيين.
ووفق مستوى الارتفاع عن سطح البحر، فإن المناطق الجبلية العالية تنخفض فيها درجة حرارة نقطة الغليان للماء، ما قد يتطلب زيادة وقت غلي أوراق الشاي الأسود في الماء، للحصول على مشروب أحمر يحتوي على غالبية المستخلصات الصحية من أوراق الشاي الأسود.
الشرق الاوسط