• Thursday, 18 April 2024
logo

لماذا تحاول واشنطن إشعال فتيل الحرب في تايوان؟

لماذا تحاول واشنطن إشعال فتيل الحرب في تايوان؟

علي تمي

 

قامت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارة بروتوكولية إلى تايوان مطلع الشهر الجاري. بيلوسي وفور وصولها التقت برئيسة تايوان "تساي إنغ" مؤكدةً على فخر الولايات المتحدة بصداقتها مع هذا البلد والتزامها تجاهها، ورغم التهديدات الصينية فإن الزيارة حملت في جعبتها العديد من الرسائل إلى موسكو وبكين في آن واحد مفادها أن مجرد التفكير بالتقرب من هذه الجزيرة هو خط أحمر ولا يمكن لواشنطن أن تقبل تكرار تجربة أوكرانيا في تايوان وبمثابة تحذير وتحدّي للتهديدات الصينية، وأن اللعب بقواعد التوازنات الدولية التي خلفتها الحرب الباردة وأزمة صواريخ كوبا ومن ثم تفكك "الاتحاد السوفييتي" غير ممكن ولا يجوز التفكير به بحسب المنطق الأميركي.

الصين عجزت تماماً عن منع بيلوسي من إتمام زيارتها إلى تايوان، والذي اعتبرته "حيتان" البيت الأبيض بأنه نصر آخر لواشنطن في معركة شد الحبّال مع بكين من جهة، وموسكو من جهة أخرى، في حين فسرت الصحافة الغربية الزيارة بأنها هزيمة مذلّة للصين بعد أن هددت أمام الملأ بمنع عبور الطائرات الأميركية من أجواء تايوان ووضع البلاد بحالة استنفار قصوى ومن ثم وجهت سرباً من طائراتها إلى مضيق تايوان لمنع طائرة بيلوسي من العبور عبر المجال الجوي لتايوان، ولكنها هبطت في العاصمة رغماً عن التنين الصيني الذي لم يترك فرصة إلا وهدد فيها بالرد والانتقام، وبالتالي اختيار البيت الأبيض توقيت الزيارة سببه تزايد الشعور الأميركي بتصاعد الخطاب الصيني الهجومي نحو هذه الجزيرة، والتفكير بغزوها مستغلةً انشغال الناتو في دعم كييف لوقف الغزو الروسي في شبه جزيرة القرم والأطماع التوسيعية لهذا المحور الذي بات يتألف اليوم من (الصين، روسيا، كوريا الشمالية، إيران) ومطالب بتحويل العالم إلى متعدد الأقطاب.

كيف قرأت موسكو وبكين المشهد؟

رئيسة تايوان، وفور لقائها برئيسة مجلس النواب الأميركي وصفت بيلوسي بأنها أكثر الأصدقاء إخلاصاً، هذا التصريح استفز وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي رد على المشهد بأن واشنطن تظهر "رغبتها في استفزاز الصين"، التصريح من حيث المضمون يبدو ضعيفاً للغاية بالمقارنة مع الحدث، لكنه بنفس الوقت يصب الزيت على النار، وبالمقابل موسكو تجاهد اليوم ليل نهار لإشعال فتيل أزمات جديدة في المناطق الساخنة في العالم وتحديداً في سوريا وجزيرة تايوان، أو أفغانستان، أو اليمن، وحتى ليبيا لتخفيف الضغط عنها في أوكرانيا، بكين بدورها تعتقد أن زيارة بيلوسي كانت متعمدة ما أدى إلى تصعيد التوترات عبر مضيق تايوان وتقويض العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بشكل خطير، مهددةً واشنطن بأنها سوف تدفع ثمن أخطائها، مطالبةً إياها بمعالجة أخطائها على الفور، واتخاذ تدابير عملية لإبطال الآثار السلبية الناجمة عن زيارة بيلوسي إلى تايوان، ولاشك أن واشنطن تحاول هنا جرّ طوكيو الى المستنقع التايواني ووضعها في مواجهة الصين كما فعلت في أوكرانيا وكل ذلك لإدخال الجميع في معارك استنزاف طويلة الأمد حتى تحافظ على قوتها ووحدانية القيادة في العالم ولا منافس لها.

السياسة الأميركية تبنى اليوم على إشعال فتيل العديد من الجبهات، ومحاولة استنزاف الدول الصاعدة في العالم من بينها ألمانيا وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة من خلال جرّهم الى صراعات مفتوحة كما فعلت مع ايران وزجت بها في الصراعات العرقية والمذهبية في الشرق الأوسط، ولتتخذ دور المتفرج وتكتفي بتوزيع الأدوار فيما بينهم، وبات الكثير من المراقبين يعتقدون اليوم، أن الهدف من إشعال فتيل حرب محتملة في جزيرة تايوان هو لدفع كل من كوريا الجنوبية واليابان (عاصمة التكنلوجيا في العالم) الى صراعات مفتوحة لإضعاف الجميع كما فعلت مع ألمانيا وفرنسا في أوكرانيا، وبالتالي للقضاء عليهم وعلى التوالي.

خلفيات اقتصادية وصفقات أسلحة

التحرك الأميركي نحو جبهة أوكرانيا ومن ثم تايوان يأتي اليوم بعد تصاعد وتيرة الحرب الاقتصادية و التجارية المعلنة مع موسكو وبكين، وخاصة فيما يتعلق بالرسوم الكمركية الجديدة التي تفرضها واشنطن وتقابلها بكين بالمثل، وفشل المحادثات الثنائية بين البلدين بعدما قطع الجانبان شوطًا طويلاً في هذا المضمار، وباتت قضية تايوان اليوم القضية الأكثر حساسية وأهمية في مسار العلاقات بين البلدين الكبيرين، الأمر الذي تعيه واشنطن جيداً، وتستخدمه بين الحين والآخر كورقة ضغط لاحتواء الصين وتعزيز نفوذها المتنامي في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.

المخاوف الصينية وشعورها بالقلق، جاءت بعد مطالبة تايوان رسمياً من الولايات المتحدة الحصول على أسلحة لتحديث معداتها العسكرية وتعزيز قدراتها الدفاعية، ورغم التهديد الصيني فواشنطن لم تولي أية أهمية لتصريحاتها ولم يطرب آذانها على ما يبدو، ولهذا السبب جاءت زيارة بيلوسي لتصب الزيت على النار ولتدفع بالمنطقة نحو تصعيد جديد ومواجهة مفتوحة لا يحمد عقباه.

خلاصة القول

قادة الصين يطمحون اليوم "للتوحيد السلمي" لبلادهم مع تايوان، وإغلاق الطريق أمام واشنطن، وسحب هذه الورقة من يدها، وبالتالي هم يعتقدون أن ذلك لا يزال مُمكنا، وهدفهم التاريخي هو الحيلولة دون استقلال تايوان رسمياً، واعتبار هذه الجزيرة جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية، في حين لا تعترف الدول الغربية بهذه الخطوة، وتعتبر تايوان جمهورية مستقلة ذات سيادة، بينما الموقف الصيني الرسمي لازال غامضاً إزاء الصراع في أوكرانيا، وبكين ترفض المقارنة بين تايوان وأوكرانيا، فالخبراء يعتقدون أن هناك حاجة إلى مراقبة رد الفعل الصيني حيال التطورات في مضيق تايوان بشكل دقيق، خاصة في ظل التشابه بين التحركات الروسية حيال أوكرانيا ومطالب الصين بالسيادة على تايوان هذه باتت أكثر الملفات المعقدة بالنسبة لواشنطن ودول الناتو، هنري كيسنجر، مُستشار الأمن القومي ووزير الخارجيّة الأميركيّة الأسبق (الحاضر الغائب) في معظم قرارات الأميركية الخارجية، هو الذي وضع خارطة الطريق الأميركيّة الجديدة لمُواجهة روسيا حيث دعا يوماً إلى إشعال فتيل الحرب في وسط أوروبا عبر البوّابة الأوكرانيّة، وإسقاط فلاديمير بوتين عبر حربٍ مُباشرة أو حِصار اقتصادي تجويعي خانِق على غِرار ما حدث مع صدام حسين في العراق.

بالمحصلة، فإن إشعال أية حرب، على الأقل تجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم ليس بالأمر الهين، حيث سيتجرع كلا الطرفين ويلات هذا الصراع، ومن المؤكد أن هناك أطرافاً أخرى ستعاني الأمرين جراء مباراة تكسير العظام تلك، كما سيتجرع الرئيس الصيني في تايوان من نفس الكأس التي تجرع منها فلاديمير بوتين في أوكرانيا، وبالتالي التوتر الصيني الأميركي قد وصل اليوم الى مرحلة الذروة!، وبحسب المنطق الصيني فإن واشنطن باتت تلعب بالنار في ملعبها، وتحاول استخدام هذه الورقة لاحتوائها وإلهائها بحرب في تايوان لتسليح الأخيرة، كما حدث مع روسيا في أوكرانيا، الزعماء الصينيون وصلوا الى قناعة تامة أن الأميركيين يحاولون الاستفادة من أخطائهم في أوكرانيا لجرّ الصين نحو حرب تلهيها في تايوان وخاصة أن التفريق بين موسكو وبكين لم تأت أُكُلها.

فالجزيرة الديمقراطية (تايوان) تعتمد اقتصادها اليوم على الصادرات البالغة قيمتها مليارات الدولارات سنوياً بفضل العلاقات التجارية مع واشنطن، وبطبيعة الحال أي حرب محتملة سيرتد صداها من وادي السيليكون إلى بكين حتى تايبيه.

والسؤال الذي بات يطرح نفسه بالقوة.. هل جرّ الصين نحو حرب مفتوحة في تايوان مرتبط بجذب الانتباه عن أوكرانيا ومما يمكن أن يحدث فيها؟ أو هو صراع مزدوج يكون رافعة للولايات المتحدة لتعود قوة عظمى في العالم من جديد ومحاولة الإطاحة بكل القوى التي تفكر بمنافستها على قيادة العالم قبل فوات الأوان؟

 

 

روداو

Top