وسط خلافات حول أسماء مطروحة..لا اتفاق داخل"الإطار التنسيقي"على تسمية مرشحه لرئاسة الحكومة
أحدثت استقالة نواب الكتلة الصدرية هزة غير متوقعة في معادلة توازنات القوى السياسية والتحالفات في العراق ، وإرباكا في حسابات قوى عديدة أبرزها "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران تتصدرها فصائل ميليشيا الحشد الشعبي.
ومنذ نحو ثمانية أشهر، يعيش العراق أزمة سياسية جراء خلافات حادة على تشكيل الحكومة بين "الإطار التنسيقي" والكتلة الصدرية التي فازت بالمرتبة الأولى بـ73 نائبا من أصل 329، ولم تتمكن من تأليف الحكومة.
وترى قوى فاعلة في المشهد السياسي أن استقالة الكتلة الصدرية زادت من تعميق الأزمة السياسية، بينما تعتبر قوى أخرى أنها شكلت نقطة البداية للخروج من حالة الانسداد السياسي والعمل على تشكيل الحكومة دون أي عقبات دستورية منتظرة في تحقيق النصاب القانوني وتسمية مرشح رئاسة الوزراء أو التصويت على حكومته في مجلس النواب.
وحتى الآن، لم تتفق قوى "الإطار التنسيقي" على تسمية مرشحها لرئاسة الحكومة وسط خلافات حول أسماء مطروحة، حيث ترغب الأكثرية في اختيار شخصية "غير جدلية" متوافقة مع توجهات المرجعية الدينية الشيعية في النجف.
كما أن هذه القوى حريصة على أن لا تثير تلك الشخصية حساسية أو اعتراض رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، في إشارة إلى احتمال ترشيح رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وهو شخصية لا يمكن أن يقبل الصدر بتوليها رئاسة الحكومة، وقد يُنزل أتباعه إلى الشارع لإسقاط أي حكومة برئاسته.
ولا تزال قوى "الإطار التنسيقي" الفاعلة مترددة في اتخاذ قرارات حاسمة ترسم مسار العملية السياسية عموما وملامح تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن أصبحوا الطرف الوحيد المؤهل لتشكيل الحكومة.
على الصعيد الداخلي، بدأت قوى "الإطار التنسيقي" حراكا داخليا مكثفا لعقد اجتماعات في منازل قادته ولقاءات أخرى مع كتل نيابية وأحزاب من خارج قوى "الإطار".
وضمن هذا الحراك، التقى قادة "الإطار التنسيقي" مع تحالف العزم الوطني والاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة بابليون ونواب مستقلين في مكتب المالكي، وهي قوى حليفة "ضمنا" مع الإطار ما يعطي هذا الحراك صفة الحراك الداخلي.
كما أن هناك لقاءات مرتقبة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتحالف السيادة للتفاهم حول مسار العملية السياسية وتشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة الكتلة الصدرية.
ويرى متابعون أن القوى الأساسية في "الإطار التنسيقي" باتت تبحث عن مباركة قوى إقليمية ودولية لأي خطوة مستقبلية قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بتشكيل الحكومة.
وضمن سلسلة لقاءات مع سفراء دول ذات صلة بالشأن العراقي، التقى المالكي مع السفير البريطاني بعد يومين على لقاء مماثل مع سفير تركيا (جارة العراق) في بغداد.
يأتي هذا بينما قوى "الإطار التنسيقي" كانت تتهم القوى الأخرى بالتبعية للخارج عقب لقاءات مع سفراء أجانب أو زيارات لدول عربية أو إقليمية أجراها قادة من كتل سياسية أخرى ضمن تحالف "إنقاذ وطن"، الذي كانت تقوده الكتلة الصدرية بمشاركة "حزب تقدم" برئاسة الحلبوسي ورئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني.
ومع السفير الصيني في بغداد التقى رئيس حركة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي وهو أحد أهم القوى الفاعلة في "الإطار التنسيقي" ويقود فصيلا مسلحا متحالفا مع إيران.
كما عقدت قيادات في "الاطار التنسيقي" أو مقربة منه لقاءات مع سفراء أجانب، مثل لقاء مع السفير الإيراني في بغداد أجراه النائب خالد العبيدي أحد أبرز قيادات تحالف "العزم الوطني" برئاسة النائب مثنى السامرائي المتحالف "ضمنا" مع "الإطار التنسيقي".
ويُعتقد أن حراك قوى "الإطار التنسيقي" باتجاه الدول الفاعلة في الشأن العراقي يأتي في ظل متغيرات في السياسة الإيرانية تجاه العراق ورغبة طهران في الإبقاء على رئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي عبر التجديد له لإكمال مسار الوساطة العراقية بين إيران والسعودية.
وهذه الوساطة حققت خرقا كبيرا في اقتراب البلدين من إعادة العلاقات بينهما وتبادل السفراء بعد خمس جولات من المحادثات الثنائية، مع احتمال عقد جولة جديدة قريبا، وفق ما تناقلته وسائل اعلام إيرانية عن نتائج زيارة الكاظمي لكل من الرياض وطهران يومي 25 و26 يونيو/ حزيران الجاري.
لذلك من غير المستبعد، أن يتم التجديد للكاظمي بدعم إيراني بعد نجاح مساعيه في الوساطة مع السعودية.
ويدرك الكاظمي أهمية الدور الإقليمي وتحديدا السعودية وإيران في اختيار رئيس الوزراء العراقي، ولطالما راهن الكاظمي على أن يشكل بشخصه نقطة تقاطع للقوى المحلية والإقليمية، لذلك فهو يظهر للطرفين بأنه الشخصية الأبرز للحفاظ على التوازنات في العراق.
لذلك يسعى من خلال هذه الخطوة إقناع إيران بالضغط على قوى "الإطار" للتخلي عن ترشيحاتهم التي بدأت تظهر تباعا حول اسم رئيس الوزراء المقبل، والتفكير بموضوع التجديد له مرة أخرى، رغم رفض أغلب قوى "الإطار" لهذه الفكرة (حتى الآن).
ويدرك الكاظمي أيضا أن بقاءه رئيسا للحكومة مرتبطة بمواقف الحزب الديموقراطي الكوردستاني بزعامة الرئيس مسعود بارزاني، وتحالف السيادة بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، والنوّاب المستقلّين، بمعنى أن يُقدّم مرة جديدة كمرشح تسوية، باعتبار أن التنسيقي لا يستطيع بمفرده تشكيل الحكومة.
كما حاول الكاظمي في جولته الأخيرة تهيئة الأجواء بين طهران والرياض لعقد لقاء جديد بوساطة عراقية يجمع مسؤولين كبارا بهدف تحسين العلاقات بين الطرفين.
ويرى الباحث في الشأن السياسي عماد محمد، أن "جولة الكاظمي تنضوي ضمن مساعيه لاقتناص ولاية ثانية، وهو يرتكز بذلك على دورة الإقليمي، حيث يتفق الجميع على نجاح حكومة الكاظمي في مجال العلاقات الخارجية، وتذويب الخلافات بين الأقطاب المختلفة، فضلاً عن انطلاق الحوار الإيراني – السعودي في بغداد، وهو ما يجعله خياراً ممكناً لولاية ثانية، في ظل التماهي الصدري معه، ومقبوليته حتى لدى قوى الإطار".
وأضاف محمد في تصريح لـ (باسنيوز)، أن "الكاظمي يستثمر علاقاته الخارجية في الترويج لولاية ثانية، لكن هنا لا ننسى أن عدداً من الأطراف لديها اشتراطاتها، وبعضها ثقيلة، فعلى سبيل المثال تعرض إقليم كوردستان إلى هجمات صاروخية بكثرة خلال حكومته، وهو ما سيجعل الحزب الديمقراطي ربما يطالب بإيضاحات، بل وتقديم المتورطين بتلك الأعمال إلى القضاء، شرطاً لولاية ثانية" وفق رأيه.
ويواجه "الإطار التنسيقي" تحدي تسمية مرشح لا يعترض عليه الصدر، وهو ما يُصطلح على تسميته في الأوساط السياسية العراقية بـ"شخصية غير جدلية"، إضافة إلى تباين وجهات النظر والخلافات بين أهم القوى الفاعلة في "الإطار".
ويبدو أن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ورغم انصرافه عن الدخول في الحكومة الجديدة في العراق، بعد استقالة نوابه الأسبوع الماضي، لا يزال حاضراً بقوة في صلب مباحثات تشكيل الحكومة.
فقد اشتعلت على ما يبدو الخلافات داخل قوى الإطار التنسيقي حول المناصب والحصص، خصوصاً منصب رئيس الوزراء ومنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، وحول كيفية التعامل مع الصدر.
فقد أفادت مصادر مطلعة أن بعض قوى الإطار التنسيقي، لا سيما تحالف الفتح بزعامة هادي العامري والعصائب بزعامة قيس الخزعلي، ترى أنه في حال حصل صدام شيعي ـ شيعي فإنه سيشمل مدن الوسط والجنوب التي ستدفع الثمن، بحسب ما نقلت تقارير اعلامية تابعتها (باسنيوز).
لذا يفضل بعض المنضوين ضمن الإطار عدم المضي في تشكيل الحكومة بشكل يعزل الصدر.
أما في ما يتعلق بالخلاف على منصب رئيس الوزراء؛ فقد أوضحت المصادر أنه جرى تداول بعض الأسماء لكن لم يتم الاتفاق عليها.
كما أشارت إلى أن كلاً من زعيم دولة القانون نوري المالكي وزعيم الفتح، هادي العامري، طرحا اسميهما لتولي المنصب، وسط رفض أطراف شيعية مؤثرة لتولي قادة الخط الأول أو رؤساء الحكومات السابقين المسؤولية الأولى من جديد.
يضاف إلى ذلك أن زعيمين شيعيين مهمين هما عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة وحيدر العبادي زعيم ائتلاف النصر، أطلقا مبادرة باسم "قوى الدولة" تتضمن إجراءات لا تلائم الطامعين في تشكيل الحكومة بسرعة من داخل قوى "الإطار".
وأمام كل تلك العوقاب والانقسامات لاسيما لجهة التعامل مع الزعيم الصدري، حذر الأخير قبل أيام من توزير أحد أنصاره أو أتباعه، معتبراً أن تلك المحاولة "ما هي إلا سعي لإسكات الشارع الصدري من جهة، واتهامه بالمشاركة في حكومة الفساد من جهة أخرى"، بحسب ما نقل قبل أيام مصدر مقرب منه.
إلا أن المشهد لا يزال غامضاً، ولا شيء مضموناً لاسيما بعد أن اختبرت البلاد ما يقارب الـ 8 أشهر من التعثر دون التوصل إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل حكومة.
وسيكون لتفكك "الإطار التنسيقي"، إن حدث جراء خلافاته الداخلية، تداعيات على تشكيل الحكومة المقبلة ودخول القوى السياسية والكتل النيابية مرحلة جديدة من التنافس، ما يجعل تشكيل الحكومة أمرا شبه مستحيل ويقود "حتما" إلى حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مبكرة قد يستغرق الإعداد لها وإنجازها عاما كاملا.
باسنيوز