• Monday, 23 December 2024
logo

ما الكورد بقطاعي طرق ولا هم متسولون

ما الكورد بقطاعي طرق ولا هم متسولون

برهم علي

 

منذ سنين وبدعم من دول الاحتلال التي تتقاسم كوردستان، هناك ماكنة اعلامية ضخمة تم تسخيرها وبفعالية من قبل أياد وألسن بائعي الذمة وأقلام مأجورة من الكورد وفي كوردستان بالذات، من اجل ان يتم توليد شعور لدى الانسان الكوردي في هذا الوطن بأنه (متسول يستحق الصدقة والاحسان!). هؤلاء المسخّرون من قبل ايادي الاحتلال يسعون من اجل تسويق كل نضالات الكورد من عصيان وانتفاضات وثورات وما نتج عنها من تضحيات جسيمة من قبل شعب كوردستان، وكأنها هباء لم تثمر سوى الشوك، وكل الذي ننعم به هو هبة من محتلي كوردستان انعموها بفضلهم علينا! وفيما لو منحو موظفي كوردستان رواتبهم ومستحقاتهم الشهرية، عندها نفتقد نحن صفة الشعب الذي يعاني من الاحتلال والاغتصاب ولا هم باتوا يستحقون صفة المحتل لأرضنا والمصادرين لحرّيتنا!

يا لها من لعبة قذرة يلعبها الاعلام (الناطق بالكوردية)، فبعد تاريخ موغل في القدم للكورد فوق ارضهم يمتد لمدة خمسة آلاف عام، وبعد أكثر من قرن من التضحية من اجل الارض والعرض والحرية، وبعد مئات الآلاف من الضحايا والعديد من الثورات والانتفاضات المتتالية وحركة تحرر وطنية قاومت الاحتلال والاضطهاد، وبعد تجربة كل انواع الاسلحة بجميع صنوفها بما فيها اسلحة الدمار والابادة الجماعية ضد الكورد. مضافا اليها العديد من حملات التصفية والابادة الجماعية لشعبنا، وبعد تضحيات ونضالات الآلاف من السجناء السياسيين من طلاب الحرية وجنودها، عاد بائعو الذمة والضمير من الكورد أخيرا ليرقصوا على انغام ضربات طبل المحتلين، ويريدون افهام المواطن الكوردستاني بأن كل هذا النضال المرير طوال تاريخ حركة التحرر الكوردستانية كان من اجل تأمين (الرواتب) لا غير! هؤلاء قد اوجدوا اجواء متأزمة بحيث كل من يتحدث عن حقوق الكورد خارج اطار الرواتب، يقولون له "الشبعان لا يدرك معاناة الجائع!"

بعث مسرور بارزاني رئيس حكومة اقليم كوردستان من خلال احدى مؤتمراته الصحفيه ، بعث برسالة مهمة وجادة ودقيقة الى اسماع السلطات في بغداد، واطلق معلومات مهمة عن الاوضاع الاقتصادية لاقليم كوردستان، وبحسب اعتقادي فان الأهم في رسالته التي اطلقها للرأي العام العالمي وبالأخص للسلطات العراقية تلخصت في العبارات التالية حيث قال "اهالي اقليم كوردستان ليسوا بمتسولين كي يضطروا لطرق باب بغداد من اجل الرواتب ومستحقات الاقليم من الموازنة الاتحادية، اذا كنا نحن مواطنين عراقيين، فلنا حقوقنا في هذا الوطن ومن اجل ذلك ليكن الدستور فيصلا بيننا."

انا اعرف بأن الذين يسعون لتعريف الكورد وتقديمهم كمتسولين، مضافا اليهم هؤلاء الذين يزرعون في نفوس المواطنين الكورد قضية الرواتب وكأنها المطلب الوحيد لديهم في العراق، كم ازعجهم كلام مسرور بارزاني وكم هم منزعجون وهم يسمعون قائدا كوردستانيا شابا يقول "نحن لسنا بمتسولين"، مع هذا، فان الذي نطق به رئيس حكومة اقليم كوردستان كانت الحقيقة التي تسطع كالشمس في قلب وضمير كل كوردي غيور ووطني شهم يمتلك الارادة. 

اذا كانت مطالب الشعب الكوردي محصورة بالرواتب، فان الانظمة المحتلة لأرض كوردستان باستطاعتها ان تمنحنا الرواتب المجزية شريطة التنازل عن حقوقنا القومية، فلو كانت مطالب الكورد تقتصر على الرواتب فان حكومات الاحتلال وبالذات النظام البعثي كان دوما مستعدا  لدعوة كافة افراد البيشمركة وقادتهم بأن يتركوا صفوف الثورة ويستقروا في المدن وهم ينعمون بالرواتب والامتيازات، اسوة بالذين باعوا الضمير ورضوا بالاستكانة والمذلة مقابل رواتب شهرية تغدقها عليهم السلطات.

لو كانت مطالب الكورد محصورة بالرواتب، فان الكثيرين من المثقفين والادباء والشعراء الكورد الذين عاشوا أواسط القرن العشرين حتى نهاياته، قد وقفوا ضد سلطات الاحتلال ورفعوا اصواتهم ضد طغيانه وتعرضوا للاعتقال والاعدام والتغييب، كل هؤلاء كانوا موظفون لدى سلطات الاحتلال، طيب لم سخّروا حياتهم وادبهم وامكانياتهم الفكرية من اجل مواجهة محتلي كوردستان؟ فقد كان هؤلاء من حيث الوضع المعاشي وتأمين مستلزمات الحياة افضل من غيرهم. ترى كيف يتم تفسير ترك طبيب او مهندس او معلم او موظف ابان عهد البعث الوظيفة والراتب من اجل الالتحاق بصفوف الثورة؟ ترى هل يقول اقطاب الاعلام المأجور بحق هؤلاء ايضا "الشبعان غير مبال بالجوعان!"

ارسل احمد حسن البكر رئيس جمهورية العراق أبان سبعينيات القرن الماضي وبعد اغتيال ثورة ايلول التحررية، ارسل رسالة الى الزعيم ملا مصطفى بارزاني وهو يتلقى العلاج في الولايات المتحدة الامريكية، وتولى البيشمركة العتيد والشخصيه الكورديه المعروفه عزة سليمان بك دركلة ، مهمة ايصال رسالة البكر الى البارزاني في امريكا، يقول البكر في رسالته بأنه مستعد بأن يسمح للبارزاني بالعودة الى العراق واصدار (عفو خاص) بحقه ويلبي جميع طلباته. قال البارزاني في معرض رده على رسالة احمد حسن البكر الرئيس العراقي الاسبق: "انا لست  بشقي ولا بقاطع طريق كي تصدر عفوا بحقي، انا احمل بذمتي قضية شعب محروم ومضطهد.." 

من المهم هنا ان اقول للذين يودون ان يدفعوا بالكورد كي يتصرف وكأنه (متسول)، بأن يفهموا ويستوعبوا رسالتي البارزاني الكبير والبارزاني الشاب، فالكورد ليسوا اشقياء وليسوا قطاع طرق ولا هم بمتسولين، كي يتم ارضائهم بالرواتب والمستحقات المالية.

انا مع جميع هؤلاء السادة الذين يقولون : لنسع من اجل الاصلاح في اقليم كوردستان، لنقوم بقلع آفة الفساد، لندعم القانون وسيادته، ليتم محاسبة الفاسدين بأقسى العقوبات، ليتم صرف رواتب موظفي حكومة اقليم كوردستان من دون تأخير ومن دون استقطاع وادخار، ليعم السلام والوئام بين الاطراف السياسية الكوردستانية، كل هذه الامور صحيحة وحقة ويجب تطبيقها والالتزام بها، لكن ليكن في البال، اننا لسنا بمتسولين وحق الكورد وكوردستان ليس مقتصرا على الرواتب والمستحقات المالية، ولا اريد احدا ان يقول لي : الشبعان لا علم له بالجائع!

 

 

باسنيوز

Top