الفنان علي المندلاوي : فن الكاريكاتير العراقي متقدم.. والرسام يشعر بالخطر
حوار: معد فياض
منحت الهيئة التحكيمية لجائزة فنان الكاريكاتير الراحل محمود كحيل، في نسختها السابعة في بيروت، الاسبوع الماضي، جائزة "قاعة المشاهير لانجازات العمر"، والتي تُعد من ارقى الجوائز العربية في فن الكاريكاتير، للرسام العراقي الكوردي علي المندلاوي، تتويجا لانجازاته الابداعية.
عرفت المندلاوي منذ أواسط السبعينيات عندما عملنا سوية، الى جانب فنانين وكتاب معروفين، في مطبوعات الاطفال ببغداد "مجلتي" و"المزمار"، وامتدت علاقتنا حتى اليوم، مرورا بالعاصمة البريطانية لندن، حيث عملنا سوية في جريدة "الشرق الاوسط"، هو رسام وكاتب، وانا كاتب وصحفي، ليعود بعدها الى اربيل، عاصمة اقليم كوردستان كمستشار في وزارة الثقافة بحكومة الاقليم، يوم كان وزيرها (الراحل) فلك الدين كاكائي، المعروف بانجازاته الفكرية الكبيرة.
وفيما يلي نص الحوار:
* بين رسوم الاطفال والكاركاتير واللوحات التشكيلية التي انجزتها، اين تجد نفسك بين هذه الفنون الابداعية؟
علي المندلاوي: فيها كلها، وفي كل كلمة كتبتها واكتبها ، حتى في ومضة شعار صممته، وفي كل وسيلة تعبير ممكنة، وغير ممكنة أراها في حلم، وعندما افيق اصنع له سلما أرتقيه لأترك ما تحقق، وأعبر الى الجديد.
* ابتكرت عراقيا فن البورتريه الكاريكاتيري، فكان وما زال انجازا ابداعيا، ثقافيا وتشكيليا مميزا، وهل هناك من مضى بهذا الابتكار عراقيا؟
علي المندلاوي: غريب .. من قال باني ابتكرت فن البورتريه الكاريكاتيري في العراق؟ ، البورتريه الكاريكاتيري بدأ في العراق مع العدد الاول من جريدة (حبزبوز) في عام 1931 وعلى الغلاف الاول، حيث وجدنا رئيس تحريرها "نوري ثابت" يمتطي صهوة مدفع (ابو خزامة) الشهير برسم بورتريه كاريكاتيري متقن. رسامون اخرون رسموا البورتريه الكاريكاتيري في الصحف والمجلات الكثيرة التي صدرت حتى عام صدور مجلة "مجلتي" للاطفال 1969 وشخصيا زرت معرضا مهما لرسامي مجلتي في المتحف الوطني للفن الحديث وانا في الثانية عشرة من عمري عام 1970 حيث شاهدت فيه اروع لوحات بورتريه واغلب الظن انها كانت للفنان الكبير" طالب مكي، كما انجز الفنان نزار سليم مجموعة ممتازة من البورتريهات الكاريكاتيرية. وبرع الفنانون :ضياء الحجار ومنصور البكري في رسم لوحات أغلفة مذهلة جمعا فيها العاملين في مجلتي والمزمار، وما انجزه الفنان مؤيد نعمة من بورتريهات من النحت الفخاري يعد فريدا من نوعه، بالاضافة الى رسومه، كما انجز الفنان عبد الرحيم ياسر رسوما مماثلة لمجلة (الف باء) بالاضافة الى الفنانين: گرفتار كاكه يي، واخرين من اقليم كردستان، و علاء كاظم وامير تقي عجام، من بغداد، وهم من الجيل الجديد، غير اني كنت الاكثر تعلقا وانجازا، ولعلي أعد اول من اقام معرضا شخصيا لهذا الفن في العراق.
* هل تعتقد ان المرحلة التي بدأت فيها حياتك الفنية منتصف السبعينيات، مع الرسم للاطفال لها تاثيرها عليك ابداعيا؟
علي المندلاوي: هي بداية الاحتراف ومنجزي في الرسم لمطبوعات الاطفال في العراق، والانتشار لاحقا عربيا من لبنان مع رسوم كتاب (ما اجمل العالم) ومجموعة كتب لدار الاداب، وكتابين لدار الفتى العربي الذي جمع عمالقة الرسم للاطفال في العالم العربي، وتمثيل العراق دوليا بدعوتي للمشاركة في معرض خاص رسامي كتب الاطفال العرب في معرض الكتاب العالمي في مدينة بولونيا الايطالية. منجزي للاطفال بحد ذاته عد باعتراف الكثيرين ابداعا، وبالتوازي مع هذا المنجز اشتغلت على رسم اللوحة، والكاريكاتير والتصميم الطباعي والكتابة الصحفية ايضا.
* باعتقادك ما هو مدى تأثير البيئة على الفنان التشكيلي، حيث نجد مفردات، بل تكوينات تشكيلية كاملة من مدينتك مندلي .. قد لا يظهر مثل هذا التأثير في اعمال او منجز فنانين كثيرين، ويشكل عند البعض الاخر عنصرا مهما لتأكيد الذات والهوية؟
علي المندلاوي: عشقي لبيئتي الفردوسية في مندلي وتشرب روحي بانتمائي لأمة الكورد التي تعشق الفرح متجسدا في موسيقى وغناء ورقص، وأزياء و مفروشات بالوان زاهية خلقت في كل ما رسمت وارسم هذه الخصوصية القائمة على الاصالة، وطبعا بدون تخطيط او عمد. هذا من جانب بيئتي الكوردية، من جانب آخر اضاف الانتقال الى بيئة بغداد الشعبية والعيش في بيوت الشناشيل البغدادية بعدا سحريا اخرا لم يغب يوما عن اعمالي.
* هل انت مهتم، او مشغول في ان تكون فنان عالمي؟
علي المندلاوي: ابدا.. في طفولتي المبكرة وجدت سلما، ارتقيت هذا السلم، وقد يكون هذا السلم هو شغفي حد الوله بالرسم، ومطالعة كتب الاطفال وعشقها بجنون، فكانا الوقود السحري الذي جعلني اتعلم وابحث، وادرس، واجرب، وافتح عيني على القديم والجديد المبهر. وكلما ارتقيت السلم اكثر كان يرتفع اكثر واكثر وارتفع معه محليا ثم عربيا ثم دوليا، وما ازال امامي الكثير، فلا نهاية مع الفن للارتقاء والاكتشاف والتجديد، وفي كل مرة اعود الى منجم طفولتي الكردستانية لاغرف من منبعه المزيد من السحر، واواصل الرحلة.
* كيف تجد فن الكاريكاتير عراقيا اليوم؟
علي المندلاوي: فن الكاريكاتير في العراق متقدم، ويتقدم رغم حالة عدم الاستقرار، والانكفاء والتحلل المجتمعي والسياسي، وضبابية الرؤية، وتعدد الولآت، والفوضى، وشعور رسام الكاريكاتير بالخطر الداهم عند نشره لأي رسم كاريكاتيري جديد، هذا الى جانب انعدام منافذ النشر التي تدر على الرسام ما يسد به رمقه، فنجده يعيش على مورد من عمل اخر، ويتكل على الله ويفتح منفذا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت لينشر رسومه ويتواصل مع جمهوره، او يسكت.
* انجزتم الكثير والاهم في مجال رسوم الاطفال، اين هي ثقافة او صحافة الطفل عراقيا اليوم؟
علي المندلاوي: في حالة الفشل الخطير و التخبط غير المسبوق الذي تعيشه الدولة العراقية منذ اشعل (صدام) فتيل الحروب الداخلية مع الكورد، والخارجية مع ايران والكويت، وتراجيديا اسقاطه واحتلال البلاد، وبقية المسلسل المعروف من تقلبات الحكام ومحاصصة المغانم والمناصب فصار من المستحيل ان نتوقع وجود من يفهم او يخطط او يستثمر او حتى يفكر بخلق قنوات لثقافة الطفل، ولا بالتعليم المتقدم، ولا بالحاضر او مستقبل مشرق.
* هل يتقبل السياسي العراقي ان يرى نفسه في لوحة البورتريه الكاريكاتيري؟
علي المندلاوي: يرسم السياسي في بلادنا وسائر دول الشرق اوسطية لنفسه صورة مبهرة أمام الجماهير، واي اهتزاز او مس بصورته المرسومة في ذهنه يعد خط احمر، وهذا يعود الى حالة تخلف عامة تعيشه هذه المنطقة.
* ما هي الاسماء الفنية التي شكلت في مسيرتكم علامة مؤثرة؟
علي المندلاوي: في طفولتي المبكرة شكل كل رسامي مجلات وكتب الاطفال التي كنت شغوفا بقراءتها علامات مؤثرة في نفسي، وكنت اعيد رسم ابطال قصصها وخاصة في الاشرطة المصورة كسوبرمان وبتمان وطرزان. واول رسام استوقفي اسلوب رسمه المغاير والمبتكر ، وترك بصمته في نفسي هو المصري محي الدين اللباد .ومع صدور مجلة "مجلتي" في بغداد اعجبت برسوم الفنانين طالب مكي و مؤيد نعمة. ولا اخفي تأثير يحيى الواسطي واسلوب رسمه لمقامات الحريري، والمنجز البَصَري للفنان ضياء العزاوي وعالميا البلجيكي فولون والارجنتيني مورديللو.
* ما هي فلسفتك في انجاز اعمالك الكاريكاتيرية؟
علي المندلاوي: لأني ارسم في الغالب شخصيات ابداعية فانا احاول الغوص في حياة ومنجز الشخصية التي ارسمها، واكثف البحث الذي اجريه عنها بابراز احدى اهم محطاتها او منجزها باسلوب وتقنية اللوحة، وقد لا تخلو من ( قرصة) ساخرة او هزلية بيضاء او داكنة.
* ما هي ابرز المحطات الفنية في مسيرتك الفنية؟
علي المندلاوي: المحطات كثيرة ومتعددة ومتشابكة وتمتد في خرائطها من العراق الى الخليج العربي، ثم تونس واوربا.. لا مجال لذكرها كلها، لكن ابرزها: 1975 عملي في مجلة مجلتي بغداد،1977حكايات شعبية كردية مصورة للأطفال - كومكس - قاعة جمعية الثقافة الكوردية - بغداد، 1981 مشاركتي بمعرض رسامي كتب الاطفال العرب في مدينة بولونيا في ايطاليا، 1983 لوحات للطفولة قاعة متحف السليمانية – إقليم كوردستان العراق، 1986 وجوه من الداخل قاعة الاورفلي - بغداد 1988 وجوه بورتريه كاريكاتيري - قاعة بغداد - بغداد، 1992 ريشة من جناح الغيمة - رسم حر - قاعة المركز الثقافي الاسباني - عمان - الأردن، 1993 قاعة رواق الفنون رسم حر - تونس، 1995 صالة محافظة اوترخت – هولندا، 1997 صالة مركز رازا بورتريه كاريكاتيري - او ترخت – هولندا، 1998 صالة الجامعة الحرة، رسم حر- برلين-المانيا، 2002 ارض اولى.. سماء ثانية رسم حر - قاعة تابليت - لندن - انكلترا، 2005 قاعة ميديا بورتريه كاريكاتيري - اربيل - اقليم كوردستان العراق، 2006 تنظيم المهرجان الدولي لاطفال كوردستان في اربيل، 2016 معرض بورتريه كاريكاتيري - قاعة الكنيسة - صفاقس في اطار المهرجان العربي للكاريكاتير، 2018 معرض (خارج المرايا) قاعة الواسطي - دار الازياء العراقية –بغداد، رسومي لكتاب حكايات شعبية من العراق (دار الفتى العربي - بيروت)، وأخيرا معرضي (وجوه) على قاعة المعهد الكوردي في باريس عام 2022.
الجوائز: الجائزة الاولى مناصفة معرض الكاريكاتير العربي الافريقي – قاعة الاوبرا القاهرة - مصر 1990، الجائزة الكبرى للمهرجان الدولي الرابع عشر ميهاي اونيسكو- رومانيا ، 2015 الجائزة الاولى مسابقة (جورج البهجوري) مصر 2016، شارك في تحكيم عدد من مسابقات الكاريكاتير الدولية في مصر ولبنان وسورية عضو لجنة تحكيم مسابقة جورج البهجوري للبورتريه الكاريكاتيري-القاهرة - مصر 2017 عضو لجنة تحكيم مسابقة محمود كحيل - بيروت - لبنان 2018.
* شبكة روداو الأعلامية