العمل: هل يعتبر الضغط النفسي من أشكال السُخرة؟
سواء كنت موظفاً في شركة أو عاملاً في مصنع، ربما تكون قد اختبرت شكلا من أشكال السُخرة دون إدراك منك.
ويبدو أن مفهوم السُخرة قد يتسع ليشمل ممارسات الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي في بيئات العمل، وهو ما طالب به نواب برلمانيون في مصر، في أعقاب حادثة انتحار موظف، قفز من الطابق الثالث، داخل شركة شهيرة في القاهرة، إثر مروره بحالة اكتئاب شديد، نتيجة ظروف سيئة، مر بها؛ بسبب ضغوط تعرض لها في بيئة العمل.
أثارت الواقعة نقاشا مجتمعيا محتدما في مصر، وطالب، على إثرها، النائب علاء مصطفى، عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بتعديل تعريف مفهوم السخرة الوارد في البند العاشر من باب التعريفات بقانون العمل، لافتا إلى أن تعريف السخرة في المعاجم اللغوية هو إجبار العامل على أداء خدمة أو عمل دون الحصول على مقابل، ومشيرا إلى أنه من الضروري أن يحمي قانون العمل الجديد العمال من كافة أشكال الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي، أو العمل تحت أي تهديد بإنزال عقوبة أو إيذاء.
وفي الأردن، خرجت مطالبات بتعديلات قانونية تحمي الموظفين من التعرض للأذى النفسي في بيئة العمل بسبب تكرار حوادث يبدو أنها باتت تشكل ظاهرة، في وقت أكدت فيه وزارة العمل الأردنية حرصها على توفير بيئة عمل آمنة، وإتاحة الفرصة أمام الموظف الذي يتعرض للإهانة للاحتكام لقانون العمل الساري لتقديم شكواه.تعريف السُخرة
يقول البرلماني المصري السابق، محمد أبو حامد، لبي بي سي إن قانون العمل المصري ينص على أن "كل عمل أو خدمة تؤدى من أي شخص دون تطوع منه تحت التهديد بإنزال عقوبة أو إيذاء، هو شكل من أشكال السخرة أو العمل القسري".والتعريف المصري المطروح يتطابق مع التعريف الدولي لاتفاقية حظر استخدام العمل الجبري أو الإلزامي، التي أُقرَّت عام 1930، وتُعرّف مادتها الثانية العمل القسري أو الإلزامي بوصفه "كل عمل أو خدمة تُغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة ولم يتطوع هذا الشخص بأدائها بمحض اختياره".
وتنص اتفاقية "تحريم السُخرة" التي أصدرتها منظمة العمل الدولية عام 1957 على حظر أي شكل من أشكال السُخرة أو العمل القسري، وتحظر اللجوء إليه كوسيلة للإكراه أو التوجيه السياسي أو كعقاب على اعتناق آراء سياسية أو لفرض الانضباط على العمال، أو للتمييز العنصري بأنواعه.الشكوى أم ترك العمل؟ولكن على أرض الواقع ما إمكانية أن يلجأ الموظف للشكوى من ممارسات تعسفية تعرض لها في العمل دون تعريض نفسه للمزيد منها حتى حين البتّ في شكواه؟ وهل البديل "الأفضل" هو أن يتخلى عن وظيفته المستقرة ليعود ويبدأ من جديد رحلة البحث عن عمل في وقت يعاني فيه كثيرون من البطالة وقلة فرص العمل؟
تحدثنا عبير (اسم مستعار) عن تجربتها السيئة في الشركة التي عملت بها: "بعد أن تسلمت منصب مديرة موارد بشرية بشهر أو أكثر، طلبوا مني أن أشغل كذلك وظيفة موظفة الاستقبال التي تركت العمل، ولكن دون مقابل مادي".
وحول أسباب خضوعها لطلب مديريها تقول: "وافقتُ خوفاً من أن أفقد وظيفتي التي حصلت عليها حديثاً وأنا ما زلت في فترة الاختبار، وبقيت أعمل بالوظيفتين لمدة 7 أشهر، وبدأوا في إلقاء اللوم عليّ في حال تقصيري في أي مهمة من الوظيفتين، ولم يوافقوا حتى على زيادة راتبي. لم أعد أحتمل ذلك الضغط الجسدي والنفسي واضطررت للاستقالة".
أما أحمد (اسم مستعار) فيبدأ الحديث عن معاناته بالقول إن "عملي تحول تدريجياً إلى أعمال ثلاثة وظائف: المحاسبة والتسويق وبعض الأمور الإدارية والتنسيقية، ودربت نفسي على البرامج المطلوبة لتنفيذ هذه الأعمال. لم يساعدوا حتى في حصولي على التدريب المهني اللازم لدعم عملي".
ويتابع: "زادت ساعات عملي، بل وبتُّ أعمل في كثير من أيام عطلة الأسبوع وبلا مقابل عن الأوقات الإضافية. واستغل مديري أني أسكن بجانب العمل فاعتبر أنه لن يضطر حتى لدفع أجرة المواصلات عندما يطلبني للعمل. ولم أحصل حتى على كلمة شكر أو امتنان، بعد هذا الضغط الهائل فآثرت أن أترك العمل".اتفاقيات عربية
وقَّعت دول عربية مثل العراق مصر والأردن وسوريا ولبنان وغيرها عدة اتفاقيات بعد انضمامها إلى منظمة العمل الدولية، وكانت الكويت أول الملتحقين بالمنظمة من دول الخليج العربي عام 1961، وهي كذلك من الدول الأساسية المانحة.
وإلى جانب اتفاقية تحريم السُخرة التي وقعتها الدول العربية مع منظمة العمل الدولية، بذلت المنظمة الأممية جهودا كبيرة فيما يتعلق بالعمالة المنزلية وعمالة الأطفال والتمييز ضد المرأة وغيرها.
ولكن على الرغم من توقيع هذه الاتفاقيات والجهود المبذولة للعمل على الالتزام بها، تتكرر معاناة الموظفين في العالم العربي من ممارسات تعسفية يتعرضون لها في بيئة العمل قد تقترب في كثير من الأحيان من التعريف الدولي للسخرة الذي يتضمن التهديد بإنزال عقوبات، ربما لا يكون أشدها الفصل من العمل.