ارتفاع معدلات الانتحار في العراق .. أسباب كثيرة وغياب الحلول
يشير مراقبون للوضع العراقي إلى أن الأرقام الحقيقية لوقائع الانتحار هي أعلى من التي تم الإعلان عنها مؤخرا من قبل السلطات؛ لأن أغلبية واضحة من الحالات لا يتم إعلانها أو الكشف عنها من جانب الأهل؛ لما لذلك من تأثير على العائلة في الأوساط الاجتماعية، كذلك لأن الانتحار في الكثير من الحالات، خصوصا بالنسبة للفتيات - بالرغم من أن أعداد المنتحرين من الذكور أكبر هذه السنة مقارنة بالإناث - يكون نتيجة ظروف عائلية قاهرة يتم التكتم عليها.
واعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا، ارتفاع حالات الانتحار في البلاد إلى 772 شخصا خلال العام الجاري، مقارنة بالعام الماضي، وذلك بارتفاع أكثر من 100 حالة حيث سجل 663 شخصا منتحرا عام 2020.
وأوضح المحنا أن «36.6 بالمئة من المنتحرين خلال العام الجاري كانت أعمارهم أقل من 20 عاماً، فيما تشكل نسبة الذكور 55.9 بالمئة، والإناث 44.1 بالمئة».
وعزا المحنا أسباب ارتفاع حالات الانتحار إلى الضغوط النفسية والعنف الأسري وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة والفقر في البلاد، مشيرا إلى أن وزارة الداخلية اتخذت حزمة تدابير لمواجهة زيادة حالات الانتحار، أبرزها تشكيل لجان متخصصة لدراسة الظاهرة والخروج بمعطيات تبين أسبابها ونسبتها مقارنة بدول الجوار، كما أكد أن هناك أسباب عديدة، ومنها ما يتعلق بالضغط النفسي، وشكل عدد المنتحرين بسبب ذلك 36.22 في المئة، أما الاضطرابات النفسية فبلغت 34.64 في المئة.
وأشار أيضا إلى أسباب تتعلق بالتفكك الأسري والعنف الأسري والوضع الاقتصادي، إذ يشكل الفقر 13 في المئة، والبطالة 9.5 في المئة، والأسباب الدراسية وعدم تحقيق الطموح 13.38 في المئة، والفشل الدراسي 5.5 في المئة.
وتابع المحنا أن الدراسة التي أعدتها الوزارة حول حالات الانتحار «خلصت إلى مجموعة من الحقائق، وقدمت عدة توصيات، ومنها ما يتعلق بتعزيز قسم الدعم النفسي في وزارة الصحة، وزيادة الدعم المقدم من وزارة الشباب والرياضة لأفراد المجتمع، بهدف المساهمة في إشغال وقتهم ومساعدتهم على ممارسة هواياتهم».
المنظمات استنفذت جهودها
وتقول الأخصائية النفسية الدكتورة حوراء الموسوي إن «هناك الكثير من العوامل والأسباب البارزة التي أدت إلى ازدياد عدد حالات الانتحار في السنوات السابقة، ومن أكثرها وضوحاً وتأثيراً هو انعدام الرفاهية الحياتية في أبسط صورها والتي لا نجدها لدى المواطن العراقي، إذ لا تتوفر أبسط حقوق الإنسان، منها العمل الكريم، حيث تكاد تنعدم فرص العمل حتى يصل المواطن إلى حالات يأس وانعدام أمان معيشي إضافة لانعدام الأمن وتردي الاقتصاد العام، كل هذا العوامل هي جزء بسيط من بين عشرات الأسباب التي تجعل الإنسان يمر بانهيارات متكررة تدفعهُ للانتحار».
وحمّلت الأخصائية النفسية، الحكومة، المسؤولية بالدرجة الأولى لتغيير واقع الاوضاع الصعبة التي يمر بها المواطنين.
وأضافت الموسوي، أن «على الحكومات المحلية والمركزية بذل الجهود الجدية في إصلاح الأوضاع العامة للحد من هذه الظاهرة المنتشرة كثيراً»، مستدركة «لو وجد المواطن سبل العيش والحصول على أهون متطلبات حياة... والأهم من كل هذا هو الحصول على عمل يليق به يكفيه للعيش حتى نهاية الشهر لإعالة عائلته وتوفير الأمن ورفاهية مجتمع كامل، كون العراقي أصبح يقارن نفسه ببقية الشباب من الدول الجارة وغيرها، لانخفضت نسب الانتحار».
وترى الموسوي، أن «منظمات المجتمع المدني استنفذت جميع خططها في الحد من هذه الظاهرة، فحملات التوعية أخذت وقتها الكافي وانتشرت ولكن الحلول هي ما يتم طلبه»، مبينة أن «الحلول ليست بيد الناشط بل بيد الدولة وهي من يقع على عاتقها أصل المشكلة، لأن الناشط أو منظمات المجتمع المدني وخصوصا المحلية أقصى ما تستطيع فعله هو التوعية والندوات لاغير».
ويقول أخصائيون، أنّ ارتفاع معدلات الانتحار في العراق مرتبط كثيراً بانتشار الفقر والبطالة، ما يؤدي إلى الشعور بانعدام الأمل، واليأس من الحياة، ونسبة كبيرة من الضحايا هم من سكان المناطق الفقيرة، ومناطق العشوائيات.
وعام 2016 بلغت حالات الانتحار 393 حالة، وفي 2017 بلغت 462 حالة، وعام 2018 بلغت 530 حالة، و2019 بلغت 605 حالات.
التنظير والفرضيات
من جانبها قالت الناشطة في مجال حقوق الإنسان سوسن البياتي، إن «استمرار زيادة أعداد المنتحرين تستدعي التفكير جدياً بعيداً عن التنظير والفرضيات، والبداية هي الاعتراف بأنّ الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية تمثل أكثر من 90% من أسباب الانتحار في العراق، ثم العمل على معالجة ذلك عبر التوجه إلى المناطق الفقيرة، والعمل على مساعدة الفقراء مادياً واجتماعياً».
ويؤكد عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق فاضل الغراوي في بيان صحفي، أن انتشار جائحة «كورونا» وتردي الأوضاع الاقتصادية والبطالة وخط الفقر والصدمات النفسية وضعف المنظومة القيمية والواعز الديني والاستخدام السيء للاتصالات والعنف الأسري، قد تكون أسباب ضاغطة لارتفاع معدلات الانتحار في عموم محافظات العراق.
وأضاف الغراوي، أن «النصف الأول من عام ٢٠٢١ شهد توثيق (٨٧) حالة ومحاولة انتحار منهم (٤٧) من الذكور و(٢٧) من الإناث و( ١٣) من الاحداث»، وأشار إلى أن «ذي قار سجلت أعلى معدلات بالانتحار بواقع (19) حالة تلتها محافظة بغداد بـ (١٨) حالة».
وأوضح الغراوي، أن «أبرز أنواع الانتحار كان بالشنق أو الغرق أو الحرق أو تناول السم أو الإطلاق الناري»، موضحاً أن «ارتفاع معدلات الانتحار تستدعي قيام الحكومة بواجباتها بمعالجة الأسباب التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة وخصوصا لدى فئة الشباب بتوفير فرص العمل وتحسين الأوضاع الاقتصادية والواقع الصحي والتعليمي والبيئي وتنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي».
وطالب عضو مفوضية حقوق الإنسان «بإطلاق حملة توعوية دينية وإرشادية وإعلامية لتبيان خطورة ظاهرة الانتحار ومخالفتها للشريعة والقانون كونها تمس حق مقدسا هو حق الحياة».
ويورد موقع Health الصحي الأمريكي علامات يجب الانتباه إليها لمعرفة ما إذا كان الشخص المصاب بالاكتئاب ذو «مزاج انتحاري».
والعلامات هي، بحسب الموقع، عدم الاهتمام بالأنشطة المعتادة، وتغيرات في النوم والشهية (إما بالزيادة أو النقصان)، ومشاعر اليأس والحزن والأرق، وصعوبة في التركيز أو التفكير أو اتخاذ القرارات.
ولا يوجد في العراق خدمات لمساعدة المقبلين على الانتحار، أو خدمة عامة للدعم النفسي، كما إن الأعراف الاجتماعية ونقص الأطباء النفسيين تمثل مشكلة أخرى.
باینیوز