علاقتك بالهاتف الذكي: عشق أم إدمان؟
وسط جلسة ممتعة مع أصدقائك الذين اشتقت كثيرا للقائهم ومشاركتهم أحداث الأسبوع، تعلو أصوات الضحكات والأحاديث والقهقات؛ ويبدو أن الجميع يحظون بوقت لطيف ومسل.
ولكن في لحظة من اللحظات تجد نفسك لا شعوريا تنسحب بأفكارك وتمسك بهاتفك الذكي لتتفقد إن كانت هناك أي إشعارات أو رسائل أو تعليقات فاتتك على أحد التطبيقات، أو لمجرد الاطمئنان أن هاتفك بخير وبمتناول يدك.
إن مررت بموقف مماثل لهذا من قبل فأنت مصاب بالنوموفوبيا، والعزاء الوحيد أنك لست وحدك، إنما يشاركك هذا الوضع ملايين الأشخاص حول العالم.
والنوموفوبيا؛ مصطلح وجد طريقه إلى قواميس اللغة لوصف حالات ارتبطت بظهور الهاتف الذكي والتعلق به، أو كما يفضل بعض الخبراء وصفه "بالإدمان"، وهو ما يفسر الرغبة الملحة بتفقد الهاتف الذكي في كل حين وآخر بلا حاجة أو ضرورة تذكر.
ولكن هذا "الإدمان" لا يأتي صدفة، إنما هو عن سبق تخطيط وإصرار حسب بعض الخبراء بينهم البروفيسور، لاري روزين، المتخصص في علم النفس والباحث بأثر التكنولوجيا عليها؛ إذ يشير إلى أن "شركات الهواتف الذكية ومطوري التطبيقات يستعينون بعالم سلوكيات وظيفته الأساسية هي إيجاد أفضل الطرق لجذب أنظارنا إلى الهواتف والتطبيقات المختلفة وإبقائنا منشغلين بها لأطول فترة ممكنة".قد يبدو كلام الدكتور روزين منطقيا بالنسبة لك إذا تذكرت عدد المرات التي تحولت بها الثواني القصيرة في تفقد هاتفك إلى ساعات طوال دون أن تدرك ذلك. وبحسب الدكتور روزين يعود هذا إلى عدد من "الخدع" التي يلجأ إليها علماء السلوك الذين توظفهم الشركات المختلفة.
الحيل التكنولوجية
يعدد الدكتور روزين عددا من الحيل والخدع التي يستخدمها مطورو التطبيقات والتي تنطلي على المستخدمين دون أي إدراك لوجودها أصلا؛ ومنها "التمرير اللانهائي"؛ وهو ما تجده في تطبيقات مثل فيسبوك، إذ يتوفر لك خيار التمرير المستمر بلا وجود أية نهاية للصفحة الرقمية على عكس الكتب مثلا، وهكذا تجد نفسك تمرر في الصفحة والأخبار والمنشورات لمدة ساعات أحيانا.
كما يشير الدكتور روزين إلى أحد الخدع النفسية التي طبقتها شركات الهواتف الذكية والتطبيقات المختلفة بطريقة فعالة جدا، وهي "الإشعارات". فوجود هذه الإشعارات يحفز الفضول لدينا لتفقدها ومعرفة ما يوجد وراء هذه الأيقونة ذات اللون الأحمر الذي "اُختير أيضا بعناية لجذب أنظارنا وتنبيهنا". وقد تكون الإشعارات على شكل رسالة قصيرة غير كاملة أيضا لتخبرك "بأن أحدا ما قد علق على منشورك، دون اطلاعك على محتوى التعليق؛ لكي تضطر إلى فتح التطبيق نفسه في النهاية؛ وهذا بالطبع قد يدفعك بلا إدراك لتفقد منشورات أخرى وتجد نفسك مرة ثانية تقضي ساعات على هذه التطبيقات.
قد تتعدد الحيل والطرق التي تتنافس باستخدامها الشركات المختلفة على استحواذ انتباهك ووقتك، إلا أن إدراكنا للأمر لن يغير شيئا في حقيقة أننا نقضي وقتا طويلا على هواتفنا الذكية، فالأمر تخطى الرفاهية والتسلية إلى الحاجة والضرورة وفقا للدكتور روزين.
الهاتف الذكي حاجة أم إدمان؟
تطورت علاقتنا مع الهاتف النقال من مجرد إجراء المكالمات وتبادل الرسائل من خلال شاشة شاحبة بالأبيض والأسود إلى الاعتماد عليه في أدق تفاصيل حياتنا اليومية.
فالهاتف النقال أصبح اليوم "الهاتف الذكي" الذي يستطيع القيام بمهام مختلفة تبدأ من قياس ضربات قلبك وضغط دمك، إلى الجواب على أسئلتك ومؤانسة وحدتك وإرشادك في أسفارك، وهو ما يعقّد توصيف علاقتنا بالهواتف الذكية بين الحاجة والإدمان.الهاتف الذكي بالنسبة إلى ميار جمعة من سوريا، حاجة أساسية في عملها في التصوير الفوتوغرافي، فهي تستعين به لنشر الصور التي تلتقطها على صفحة فيسبوك التي أنشأتها للترويج لعملها وكسب الزبائن، ولا تتسبب لها هذه التطبيقات أو المواقع المختلفة أي إدمان حسب قولها، إنما "أستخدم موبايلي للشغل فقط ولست مدمنة على مواقع التواصل أبدا".
إلا أن منى من مصر لديها رأي آخر، فعلى الرغم من أنها تعتمد على الهاتف الذكي اليوم في الكثير من شؤونها مثل "أي حاجة تخص البنوك أو التسوق عبر الإنترنت" إلا أنها تجد نفسها "ماسكة الموبايل طول الوقت ومقضياها على السوشال ميديا... وصار بالنسبة ليا نوع من أنواع الإدمان".
تضارب بين المصالح والمسؤوليات:يجادل كثيرون بأن الهاتف الذكي اليوم هو بمثابة عالم مصغر في جيبك والحديث عن الاستغناء عنه كليا غير وارد في عالم يتجه إلى التحول الرقمي شيئا فشيئا، ولكن هذا لا يعني الاستسلام والخضوع للأمر الواقع بحسب الخبراء.
فرغم أن الباحثة البريطانية في أخلاقيات التكنولوجيا، نيل واتسون، تتفق مع الدكتور روزين في أن شركات الهواتف الذكية متواطئة مع مطوري التطبيقات في التسبب بإدماننا عليها حيث "تعمل هذه الشركات كالمحرك الأساسي وتسهل عمل مطوري التطبيقات"، إلا أنها في الوقت ذاته تشير إلى ضرورة الاعتراف بمحاولات الشركات المصنعة للهواتف الذكية بإيجاد بعض الحلول.تقول نيل إن "الضغوط التي واجهتها شركات الهواتف الذكية ومطورو التطبيقات أجبرتها على تحمل بعض المسؤولية بإدمان الناس عليها" وآتت هذه الضغوط بثمارها على ما يبدو "فالكثير من الهواتف الذكية والتطبيقات المختلفة تنبهك اليوم بأنك قد قضيت أكثر من ساعة أو ساعتين في تصفح هاتفك وتقترح عليك أخذ استراحة منها".
ولكن وفقا لنيل، قد تكون الإجراءات التي ستتخذها هذه الشركات مستقبلا محدودة جدا، فرغم أنها تحاول كبح بعض الإشعارات أيضا للتخفيف من أثرها النفسي والاجتماعي، إلا أن ذلك "يتعارض مع مصالحها بالنهاية" وهذا يعني أنها ستقبع دوما بين مطرقة الأرباح وسندان المسؤولية الاجتماعية.لأرباح التي تجنيها شركات التكنولوجيا من سوق الهواتف الذكية تدفعها إلى التسابق في كل عام لإصدار الأحدث والأفضل في الأسواق، وفي الوقت ذاته يتسابق المشترون على اقتناء هذه الأجهزة ويصطفون أمام أبواب المتاجر لساعات من أجل أن يحظوا بشرف الحصول عليها أولا؛ ولهذا يرى الدكتور روزين أنه لا يوجد ما يمكن فعله من جانبنا، إنما يحمّل كامل المسؤولية في التحكم بالأمر للشركات التكنولوجية.
غيرت الهواتف الذكية من نمط حياتنا، فغالبا لا نفتح عيوننا على قهوة أو شاي الصباح مع جريدة، لنستبدل ذلك برشفة من هاتفنا الذكي نستأنف بها ما فاتنا من أحداث وأخبار أثناء نومنا، أما الذين لا يصطحبون هواتفهم معهم حتى إلى الحمام فهم أقلية.
ما يحيط بالهواتف الذكية من جدال راهن، رافق تقريبا كل الاختراعات الكبرى التي عرفتها البشرية، حيث تتحدد قيمتها بناء على استخدامها. فالحديث عن أضرار مواقع التواصل الاجتماعي أو الهواتف الذكية، لن يكتمل دون الاعتراف بأنها أصبحت الوسيلة الأسهل والأرخص في المنطقة العربية لأسر تشتت أفرادها في بلدان وبقاع مختلفة حول العالم بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.