كوردستان العراق
طارق كاريزي
احدى الاشكالات التي عجزت الحكومات العراقية المتعاقبة على حسمها، هو حدود اقليم كوردستان ضمن الدولة العراقية. اول انتفاضة كوردستانية قادها الشيخ محمود الحفيد ضد البريطانيين قبل اعلان تأسيس الدولة العراقية، طالبت بالحقوق الكوردية وفق العهود والمواثيق الدولية. المطالبة بالحقوق الكوردية تواصلت، لكن التعامل من جانب السلطات ظل ضمن سياق التكتيك والاحتواء وليس ضمن سطح السعي نحو الحل.
طالب الشيخ الحفيد، وشيوخ بارزان قبله وبعده ايضا، وجميع الثورات والانتفاضات الكوردية التالية وصولا الى عهدنا الحالي، باقرار الوجود الكوردي والقبول بكوردستان كوطن لشعب كوردستان. ومن مقومات كيان الوطن الكوردستاني بالمقاربة مع بقية الشعوب والامم، هو التوجه نحو بناء الوطن واقرار الحقوق القومية لشعب اصيل سبق الآخرين في استيطانه المنطقة، ومن ثم بناء علاقات حسن جوار وتعاون بنّاء تضمن حقوق جميع الاطراف دون حيف او ظلم او اكراه.
عدم حسم القضية الكوردية في العراق كلف الكيان العراقي الكثير من الخسائر المادية والبشرية. ادى الى هدر للأموال والانفس بالشكل الذي يصعب حصره، وبموازاة ذلك فهو خسارة كبيرة لفرص واسعة للتقدم والرقي.
ان استمرار العلاقة القلقة بين كوردستان العراق وبغداد، ليست في صالح الطرفين. تجربة قرن من عمر الدولة العراقية تقدم أكثر من دليل وقائمة طويلة حول فاتورة الاضرار والخسائر التي لحقت بكلا الطرفين جرّاء الصراع غير المجدي وتنامي حجمه في حال استمرار العلاقة الثنائية في وضع التذبذب وعدم الاستقرار.
احدى اكثر المسائل حساسية واثارة للقلق هو عدم تثبيت حدود اقليم كوردستان العراق وتهرب الحكومات العراقية المتعاقبة من مسألة حسم هذا الموضوع الحساس وتراجعها عن جميع الاتفاقيات التي ابرمتها مع حركة التحرر الكوردستانية.
لعل اول اقرار من جانب الحكومة العراقية فيما يتعلق برسم حدود كوردستان العراق وتطبيقه على الارض كان عام 1974 ومن جانب واحد دون موافقة حركة التحرر الكوردستانية. جغرافية اقليم كوردستان (كوردستان الجنوبية: كوردستان العراق) تدعمها الوثائق والادلة القاطعة، الا ان مصالح رأتها وتراها الحكومات العراقية المتعاقبة حيوية، تمنعها من اقرار حدود اقليم كوردستان بحقيقتها، علاوة على تصورات واهمة تجعل من كوردستان مصدر خطر على مستقبل العراق وحدوده الاقليمية وأمنه الستراتيجي.
انطلاقا من كل هذه التصورات مضافا اليها اعتبار الكورد ضيوفا على ارضهم والجغرافية التي يعيشون عليها، لم تنعم الدولة العراقية بالسلام والاستقرار. ولعل طبيعة العلاقة التسلطية ومنهج الاستحواذ اللتان باتتا تشكلان ثقافة السلطة في مختلف المراحل التي عاشتها الدولة العراقية ضد الكورد، والذي ادى الى عدم تبلور المواطنة فيها، ادخلت العلاقة الكوردستانية مع بغداد في دوامة سيزيفية لا امل في التوصل الى وفاق وسلام دائمين بين الطرفين.
القوى السياسية ونخبها التي تولت السلطة بعد عام 2003 في بغداد، مارست ذات النهج المركزي وسياسة فرض الارادة عنوة على شعب كوردستان. هذا النهج ومنتجها السياسي دفعت باتجاه حصر كوردستان في خندق الصدام مع بغداد.
طوال قرن من عمر الدولة العراقية، ورموز السلطة في بغداد يأبون التعامل مع واقع كون كوردستان العراق له خصوصيته التي يتعذر دمجه مع عراق تحكمه النظرة الاحادية.
باسنيوز