تبليط شوارع ووعود بسفرات سياحية .. انطلاق الحملة الانتخابية قي العراق قبل أوانها
الانتخابات في العراق على بعد ثلاثة أشهر من موعدها ، إذ من المنتظر ان تجري في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل ، لكن المنافسة الانتخابية على الأرض بدأت بالفعل ، كما أن المرشحين بدأوا بالدعاية الانتخابية حتى قبل أن تسمح لهم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بذلك.
وبدأت طباعة الملصقات الترويجية للمرشحين المقبلين حتى قبل أن يعرف هؤلاء المرشحون أرقامهم وأرقام كتلهم الانتخابية، التي ستعلنها المفوضية خلال اليومين المقبلين عن طريق القرعة.
وباستثناء القوى المدنية العراقية، التي ما تزال مترددة لغاية الآن بشأن المشاركة في الانتخابات بسبب عمليات الاغتيال والتهديدات التي طاولت الناشطين المدنيين وعمليات التضييق والتخوين التي تمارسها قوى وأحزاب وفصائل مسلحة ضدها، فقد انخرطت القوى السياسية النافذة في البلاد، بحملات الترويج لها بطرق مختلفة وأساليب متنوعة. في المقابل، لم تقم مفوضية الانتخابات بواجباتها تجاه هذا الأمر، خصوصاً أن قانونها يوجب معاقبة حملات الترويج قبل انطلاقها، مع فرض رقابة على استخدام المال العام أو مقدرات الدولة في الحملات الانتخابية.
وبحسب زاهر البيدر، وهو صاحب مطبعة من بغداد ، فإنه "يطبع نحو 500 ملصق مختلف يوميا لمرشحين مختلفين".
مضيفاً ، إن "المرشحين يتعمدون كتابة جمل فضفاضة لا تدل على أنهم يقومون بالدعاية، لأنهم قد يتعرضون إلى الغرامة".
ومن أمثال هذه الجمل، بحسب البيدر، جملة "يشكر السيد (...) أهالي منطقة (...) على وقوفهم خلفه من أجل تحقيق الازدهار"، أو ما يشبه هذه الجمل التي "تروج للمرشحين بدون أن تعرضهم إلى العقوبة".
سفرات سياحية وتبليط شوارع
ويذهب مرشحون آخرون إلى ماهو أبعد، إذ وعد أحد المرشحين بمنح عائلات رحلات سياحية ، مبينا أن العائلات الفقيرة ستكون لها فرصة للحصول على ذلك.
فيما ينشر مرشحون آخرون صورا لعمليات تبليط شوارع على نفقتهم، أو تبديل محولة كهرباء بأموالهم أو بنفوذهم، أو برفع كتل كونكريتية من شارع ما.
وبحسب هذا النظام يتمكن المرشحون من التنافس في دائرة انتخابية واحدة، ولا يمكن لآخرين من محافظة مختلفة أو من دائرة انتخابية أخرى التصويت لهم.
ويقول بعض المرشحين المستقلين الشباب ، إن هذه التصرفات تخل بنزاهة الانتخابات، "الأحزاب الغنية أو المرشحين الأغنياء يقومون بشراء الأصوات بهذه الطريقة، مما يجعل من المتعذر على المرشح المستقل المنافسة".
ويضيف هؤلاء أن بعض المواطنين "يستغلون السباق الانتخابي للحصول على شارع مبلط أو تبديل محولة كهرباء، لأنهم يعرفون من خلال التجارب السابقة أن المرشحين متوفرون لتقديم الخدمات فقط في موسم الانتخابات".
كما يتوقعون أن "لاتشهد الانتخابات الحالية نسب مشاركة مرتفعة".
بدوره، يرى الباحث أحمد الشريفي، أن "الأحزاب التقليدية المسيطرة على مقاليد الحكم والمناصب المهمة في الدولة، لديها ما يكفي من المال السياسي لتقديمه للعراقيين كهدايا ومنح في سبيل الحصول على أصواتهم في كل انتخابات. وهي تخصص مبالغ تحصل عليها من الصفقات والمشاريع العمرانية والاستثمارات من الحكومة. وعادة ما تتعرض إلى تلكؤ، عبر هيئاتها الاقتصادية والسياسية، لصرفها فيما بعد على الدعاية الانتخابية وعمليات تزوير النتائج وشراء الأصوات". ويضيف أن "الأحزاب لا تملك غير هذه الطريقة في الحصول على نتائج مرضية بالانتخابات، كونها لا تملك أي مناهج سياسية أو آلية حكيمة لإقناع الناخبين بما ستقدمها بعد فوزها".
إحدى المرشحات قالت إن بعض ناخبيها طلبوا منها تبليط شارع بقيمة مليار دينار مقابل انتخابها، مؤكدة "لم أوافق ولا يمكن أن أوافق حتى لو ملكت المال".
وبحسب المرشحة ، فإن " شراء الأصوات الانتخابية بالخدمات هو أمر غير مضمون، لأن الناخب قد يذهب بعد تقديم خدمة معينة له ويصوت لمرشح آخر".
وتضيف أن "بعض المرشحين يقومون بسحب بطاقات الناخبين وتسليمها لهم قبل موعد الاقتراع بقليل"، مؤكدة أن "هذا لا يفيد، يمكن أن يقوم الناخب بانتخاب من يريد حينما يدخل لغرفة الاقتراع، الثقة وحدها وإقناع الناخب بأن المشاركة والتصويت لمرشح معين هو في مصلحته، هو الحل الوحيد".
ويقول أستاذ الإعلام والتسويق في معهد المستقبل العراقي، محمد حاكم، إن استراتيجية التسويق للإنجازات البسيطة مثل تعبيد شارع أو تصليح مضخة ماء "هي استراتيجية ناجحة" بين الأوساط التي ستشارك في الانتخابات.
موضخاً ، أن " هذه الأوساط هي أوساط تهتم بالخدمات قليلة الأمد وستصوت للأحزاب التي اعتادت على التصويت لها، بينما "الأغلبية التي تمتلك وعيا سياسيا تتجه نحو مقاطعة عملية الانتخابات برمتها، وهي نفسها الشريحة التي تسخر من مبادرات المرشحين الخدمية هذه".
وبرزت مواقف مقاطعة الانتخابات العراقية منذ إعلان موعدها قبل أشهر، لكن اغتيال الناشط العراقي البارز، إيهاب الوزني، جعل زخم الدعوات للمقاطعة يزداد بشكل كبير خاصة بين الأحزاب التي نشأت عن ما يعرف بـ"محتجي تشرين".
وفي مايو/أيار الماضي، دعا 17 تيارا ومنظمة منبثقة عن الحركة الاحتجاجية رسميا إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة التي وعدت بها حكومة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، إثر توليه السلطة بعد أشهر من الاحتجاجات ضد الفساد والطبقة السياسية.
وأعلنت تلك التيارات في 17 مايو/أيار في بيان مشترك من كربلاء الرفض "للسلطة القمعية" وعدم السماح "بإجراء انتخابات ما دام السلاح منفلت والاغتيالات مستمرة" والتي ينسبها ناشطون إلى ميليشيات شيعية، وسط تعاظم نفوذ فصائل مسلحة تحظى بدعم إيران على المشهد السياسي.
وقدمت الحكومة العراقية موعد إجراء الانتخابات العامة إلى العاشر من أكتوبر/تشرين الاول المقبل، بدلا من موعدها الأصلي في يونيو/حزيران 2022، استجابة لضغوط المحتجين المناهضين للنخبة الحاكمة، خلال مظاهرات نظموها ابتداء من أكتوبر 2019.
وأكد خبير الانتخابات وليد الزيدي،يوم الاثنين، أن تكافؤ الفرص بين المرشحين لن يتحقق في الانتخابات النيابية المقبلة وسوف تتكرر ذات الحالة التي حدثت في الانتخابات السابقة والتي لم تتم معالجتها في هذه الانتخابات.
وأوضح الزيدي لـ (باسنيوز)، أن «أهم نقطة سوف تلغي وجود التكافوء هي وجود وتدخل ما يسمى بالمال السياسي، وأنا أسميه المال الفاسد، لكون ذلك المال قد أتى عن طريق عمليات الفساد، ولا توجد جهة تقول لهم (من أين لكم هذا) أو تقوم بمحاسبتهم، وهنا لا يمكن أن يواجه المرشح المستقل الأحزاب الكبيرة».
متسائلاً: «هل توجد جهة تستطيع أن تقول للحزب الكبير أو مرشح ذلك الحزب بأنه قد تجاوز السقف المالي المحدد للدعاية الانتخابية؟، وهل توجد آلية لمراقبة ومعرفة الأموال المصروفة بشكل فعلي؟».
مشيراً إلى أن «جميع ذلك صعب التحقق، وتلك المهمة تقع ضمن دائرة الأحزاب في مفوضية الانتخابات».
باسنيوز