تونس.. هل بدأ العد التنازلي لإبعاد حكومة هشام المشيشي؟
مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في تونس وتواصل الخصومة السياسية بين رئاسة الجمهورية من جهة ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة من جهة أخرى عاد للواجهة من جديد الحديث عن رحيل حكومة هشام المشيشي المدعومة من حركة النهضة الإخوانية والاتجاه نحو إرساء حكومة إنقاذ وطني يفرزها حوار بين الفرقاء السياسيين.
وبعد أشهر من تمسك حركة النهضة بالمشيشي وتوظيف حكومته في حربها مع رئيس الجمهورية قيس سعيد يتوقع مراقبون أنها قد تتخلى قريبا عن حليفها في سبيل توافق مرتقب مع رئيس الجمهورية، خاصة بعد إعلان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل بالذهاب إلى حوار وطني.
واستعدادا لهذا الحوار الوطني اقترح نور الدين الطبوبي على رئيس الحكومة هشام المشيشي إعادة إجراء تحوير وزاري بأسماء جديدة والتخلي نهائيا عن الأسماء المزكاة من البرلمان والتي يرفضها رئيس الجمهورية بسبب شبهات فساد وتضارب مصالح، كما دعا الطبوبي رئيس الحكومة إلى ضرورة التشاور مع قيس سعيد حول الاسم المقترح لتولي حقيبة وزارة الداخلية.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ إقالة وزير الداخلية توفيق شرف الدين يتولى رئيس الحكومة هشام المشيشي إدارة شؤون وزارة الداخلية بالنيابة إلى جانب رئاسته للحكومة.
وعلى مشارف الحوار الوطني المنتظر اجتمع الرئيس التونسي قيس سعيد برؤساء الحكومات السابقين ورئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي الثلاثاء ورأى الكثيرون في هذا اللقاء بوادر للتهدئة أو الصلح مع رئيس الحكومة بعد أشهر من القطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية.
وخلص الاجتماع، الذي احتضنه قصر قرطاج بين الرئيس سعيد وهشام المشيشي ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ وعلى العريض، إلى الإعلان عن انطلاق حوار وطني دون شروط مسبقة.
وتزامن هذا الاجتماع مع إطلاق سراح رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، ويعد قلب تونس الحزب الثاني في التحالف البرلماني الداعم للحكومة، بعد أن قضى أشهر في الإيقاف على خلفية تهم تتعلق بالفساد المالي.
كل هذا التململ السياسي لم يحسم بعد حالة الغموض التي تكتنف مصير الحكومة الحالية التي تعمل دون وزير داخلية فيما يتولى أكثر من خمسة وزراء حقيبتين وزارتين، وتلقى انتقادات حادة من كل مكونات الطيف السياسي وتواجه احتجاجات متواترة بسبب تصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية جراء وباء كورونا الذي عصف بقطاع الصحة وأنهك الدورة الاقتصادية في تونس.
ورأى المحلل السياسي باسل الترجمان في حديث لموقع سكاي نيوز عربية أن رحيل حكومة هشام المشيشي تأخر جدا بعد أن فشلت في إدارة الشأن العام والتصدي لوباء كورونا وإجراء تحوير حكومي يتلاءم مع الواقع التونسي ويكون أساسه التصدي للفساد وتضارب المصالح فضلا عن فشلها في إدارة مفاوضات الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف المحلل السياسي أن فشل الحكومة يعني أيضا فشل الحزام السياسي الذي راهن عليها والمتكون أساسا من حزب حركة النهضة الذي لم يعد يبدو متمسكا بهشام المشيشي على رأس الحكومة غير أنه يدعمه من أجل تحسين شروط تفاوض الحزب الإسلامي مع قيس سعيد.
ومن جهته قال القيادي بحركة النهضة فتحي العيادي في تصريحات إعلامية إن “الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي نقل لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مقترحات الرئيس سعيد ومنها أنه يترك للأحزاب حرية التشاور بغية تحديد صبغة الحكومة القادمة هل ستكون من الكفاءات المستقلة أم سياسية حزبية بعد تقييم أداء الوزراء الحالين.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد صالح العبيدي في تصريحات للموقع أن إقالة أو استقالة حكومة هشام المشيشي بالكامل يمكن أن تضع البلاد في مواجهة الفراغ السياسي.
وأضاف “رغم الحصيلة السياسية غير المرضية لحكومة هشام المشيشي وعجزها عن لم الشتات السياسي واستيعاب الخلاف بين السلطات ورغم فشلها الوظيفي في إدارة مفاوضات صندوق النقد الدولي ومواجهة جائحة فيروس كورونا لا يمكن واقعيا الدفع بتونس نحو الفراغ السياسي على مستوى إدارة الدولة ففي حال إزاحة الحكومة الحالية بالكامل ستحتاج تونس ثلاثة أشهر على الأقل لتركيز حكومة جديدة".
ورأى العبيدي أن حل الأزمة في تونس يجب أن يكون سياسيا وعلى رئيس الحكومة هشام المشيشي أن يبادر لحلحلة الأوضاع ويتجاوز حالة العناد السياسي ويطرح مبادرة جدية بالتخلي عن النرجسية السياسية التي أربكت البلاد بعد أزمة التحوير الوزاري الأخير الذي يرفضه رئيس الجمهورية ويتمسك به رئيس الحكومة منذ أشهر.
وأكد المحلل السياسي أن حركة النهضة بدأت تستشعر خطر دعمها للحكومة في المرحلة القادمة في ظل حديث عن عجز في سداد مستحقات الدولة المالية من طرف الحكومة في الأمد القريب ورجح العبيدي أن النهضة هو أول من سيتخلى قريبا عن حكومة المشيشي.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل أعرق المنظمات الوطنية في تونس كان قد أطلق مبادرة للحوار الوطني يشرف عليها الرئيس قيس سعيد منذ ديسمبر الماضي على أمل أن تنجح في إنهاء الخلافات السياسية بين الرئيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي بعد صراع على الصلاحيات واختلافات في إدارة شؤون البلاد نقله الطرفين للعلن في المواقف والتصريحات والبيانات وحتى خلال التحركات الدبلوماسية.