• Sunday, 24 November 2024
logo

الإستفتاء والمحكمة الإتحادية

الإستفتاء والمحكمة الإتحادية
تشكلت المحكمة الإتحادية بقانون رقم(30) سنة 2005، حيث أصدر مجلس الرئاسة القرار الجمهوري رقم (2) في 1-6-2005 بتعيين القاضي مدحت المحمود رئيسا للمحكمة الإتحادية وثمانية قضاة آخرين أعضاء فيها، استنادا الى أحكام المادة (44) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية، وعليه فإن هذه المحكمة شكلت مؤقتا، أي تم تعيينها وليس انتخابها، وقد حاولت جهات عدة تشريع قانون مجلس الإتحاد، ولكن بعض الجهات المتنفذة أعاقت تشريعه، وذلك لأن بقاء المحكمة هكذا في مصلحتها، وعليه فإنه لا يمكن التعويل على قرارات محكمة ليست منتخبة، ولهذا نجد قرارت المحكمة الإتحادية لا تحسم المشاكل بصورة نهائية، بحيث ترضي الأطراف وتقنعها، مع أن المحاكم الإتحادية الدستورية في الدول المتطورة والديمقراطية قراراتها بعيدة عن التأثيرات السياسية والحزبية، ولكن بما أن المحكمة الإتحادية تم تشكيلها في ظروف انتقالية مؤقتة فهي أصغر من أن تتخذ قرارت مصيرية، وهي لا تنجو من التأثيرات السياسية والتدخلات الحزبية، لذلك نجد في الساحة السياسية العراقية التعامل المضطرب مع المحكمة الإتحادية، حيث إن كانت قراراتها في صالح جهة ما نطقت بشرعية المحكمة، وإن كانت ضدها اتهمتها بالتسييس، وهذا ما حصل في انتخابات سنة 2010 عندما فازت كتلة العراقية بزعامة اياد علاوي(91 مقعدا) على دولة القانون بزعامة نوري المالكي(89 مقعدا)، فقد اتهمت كتلة العراقية المحكمة الإتحادية - بعد أن فسرت مادة دستورية تفسيرا لم يكن في صالحها - بأن قرارها لا قيمة قانونية لها، بينما دولة القانون رحبت بنزاهة المحكمة بعد أن جاء تفسيرها لصالحها، وهي تفسير المحكمة للمادة (76) من الدستور وهي فقرة (الكتلة النيابية الأكثر عددا) هل المقصود بالكتلة الأكبر - التي تكلف من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة- قبل الإنتخابات أم بعد عقد أول جلسة لمجلس النواب العراقي؟، وفي نهاية المطاف انتهت رئاسة الوزراء لنوري المالكي الذي كانت قائمته أقل مقعدا من قائمة العراقية لأياد علاوي بفارق مقعدين اثنين.


يبدوأن المحكمة الإتحادية ستبقى هكذا غير منصفة، وتبقى قراراتها متأثرة بالأجواء السياسية الى أن تنتخب محكمة أخرى وتملك الشرعية الكاملة، مع كوني أرى ذلك صعب التحقيق، لأننا وصلنا الى مرحلة تحكمت الأغلبية السياسية الأيدلوجية في كل شيء، والتي ضربت التوافقات السياسية عرض الحائط، وكأن العراق لمكون معين أو طائفة معينة.
وبموجب المادة (65) من الدستور العراقي يجب تشكيل مجلس الإتحاد ليحل محل المحكمة الإتحادية حيث تقول المادة:" يتم انشاء مجلسٍ تشريعي يُدعى بـ(مجلس الإتحاد) يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب". وقد حاولنا في هذه الدورة أن نشرعه ولكن دون جدوى، فكل جهة تطرح أفكارها الخاصة بها، بعضها تتناقض مع الدستور، وبعضها تتناقض مع مباديء الدولة المدنية والديمقراطية، وبعضها تحمل طابعا مذهبيا، لذلك لدينا معوقات عديدة، ولهذا بقي القانون في طي الإرشيف، وما من دورة إلا تحاول تشريعه، ولكن تأتي المعوقات فتعيده مرة أخرى الى إرشيف القوانين المعطلة.


كانت هذه مقدمة ضرورية لكي يعرف القاريء الكريم مدى هشاشة مواقف المحكمة الإتحادية وقراراتها تجاه إستفتاء كوردستان، ناهيك عن بعض القرارت الأخرى التي اتخذتها على عجالة، لكي تذود عن مواقف سياسية معينة، مع أن المحاكم الدستورية عندما تتخذ قراراتها فهي تنأى بنفسها قطعا عن الطابع السياسي، فهي تتخذ قراراتها وفق الدستور والقوانين وليس وفق رغبة جهات سياسية معينة، وما حصل بخصوص إستفتاء كوردستان من هذا القبيل، أي أن قرارها الأول بالحكم الولائي - أي إيقاف إجراء الإستفتاء لحين البت بشرعيته ودستوريته من عدمه- كان تمهيدا لقرار آخر سياسي معلوم مسبقا، لأنه لا يمكن للمحكمة أن تصدر قرارا ولائيا لمنع عملية ديمقراطية وهي تدخل في إطار حرية التعبير الواردة في المادة الدستورية (38) والتي تقول:" تكفل الدولة - وبما لا يخل بالنظام العام والآداب- أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل". فإستفتاء كوردستان لم يخل بالنظام العام والآداب، وهو وسيلة حضارية ديمقراطية للتعبير، فالمحكمة الإتحادية هي التي خرقت هذه المادة الدستورية، لأنها منعت الإستفتاء، ثم بعد إجراء الإستفتاء، بدل أن تكفل الدولة العراقية حرية التعبير، قامت الدولة باستعمال الإسلوب العسكري، وإتخاذ قرارات سياسية مجحفة بحق شعب كوردستان، وقد قال لهم الرئيس بارزاني، عاقبوني ولا تعاقبوا شعبـي، ولكنهم أصروا على معاقبة شعب كوردستان، وهذا دليل أن الإستفتاء قرار شعب وليس قرار حزب ولا شخص معين، ولهذا نجد حكومة بغداد مستمرة في سياستها الطائشة تجاه شعب كوردستان.


السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن لمحكمة تم تعيينها من قبل حكومة مؤقتة أن تصف إستفتاء شعبيا سلميا ديمقراطيا - شارك فيه ملايين الناس ونال نسبة عالية وهي 93% - بأنه غير دستوري، والأدهى من ذلك إلغاءه؟ بكل تأكيد هذا قرار سياسي، لو لم يكن سياسيا لما تجرأت المحكمة الإتحادية على إتخاذ هذا القرار الجائر، ولو لم يكن سياسيا لما فسرت المحكمة الإتحادية مواد الدستور العراقي بصورة انتقائية، ولو لم يكن سياسيا لما قررت إلغاءه، على أية حال، يمكن للمحكمة أن تتخذ ما شاءت من قرارات، ومنها عدم دستورية الإستفتاء، فهذه وجهة نظر سياسية وليست دستورية ولا قانونية، نحترمها كما نحترم أي وجهة نظر سياسية لأي جهة سياسية أخرى، ولكن أن تقرر إلغاءه، فهذا غير مقبول مطلقا، لأن الإستفتاء قناعة شعبية وهو أشبه بالإيمان، لا أحد يمكن أن يلغي إيمان شخص، إلا إذا ألغى الإنسان نفسه إيمانه بقول شيء يتناقض مع إيمانه أو يبطله، فالإستفتاء يمكن إلغاءه إذا قرر الشعب إلغاءه، وهو عملية صعبة، وذلك لأنه بحاجة الى إجراء إستفتاء آخر حتى يقرر الشعب إلغاء ما قرره، لذلك لا يملك أحد في الكون حق إلغاء الإستفتاء، لأنه ليس قرارا شخص أو شعب، وحكومة إقليم كوردستان عندما جمدت الإستفتاء، جمدته لكي تفتح حوارا صريحا وشفافا وجديا مع بغداد، والتجميد لا يعنى الإلغاء، فالإستفتاء يبقى حقا مشروعا لشعب كوردستان لكي يقرر مصيره متى شاء، ولسنا بحاجة الى إستفتاء آخر، فقد أجريناه بصورة رسمية، فالمرحلة القادمة هي إعلان دولة، وهي مرحلة أسهل من التي سبقتها أي إجراء الإستفتاء.


ثم دعنا نسأل المحكمة الإتحادية جملة من الأسئلة فإن أجابت جوابا منطقيا مقنعا، اعترفنا بشرعية قراراتها وصدقها وحرفيتها:
1) أين كان موقف المحكمة الإتخادية من قطع الموازنة عن شعب كوردستان، تلك الموازنة التي صوت مجلس النواب العراقي عليها، لماذا سكتت عن هذا الظلم؟.
2) أين كان موقفها من منع تسليح البيشمركة ورواتبهم مع كونهم جزءا من وزارة الدفاع؟ ففي المادة الدستورية رقم(121) ثالثا وخامسا تنص المادة على أنه:" تخصص للأقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الإيرادات المحصلة إتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها". خامسا: تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجهٍ خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم، كالشرطة والأمن وحرس الإقليم".
3) أين كان موقفها من المادة (140) التي تخاطب الحكومة المنتخبة الإتحادية بحل مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها، حيث تنص:" أولا: على أن تنجز كاملة(التطبيع، الإحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة أقصاها 31-12-2007. ونحن الآن ندخل العام 2018. بل إن المحكمة الإتحادية ضربت المادة(140) عرض الحائط، وأبدت رأيها وهي تؤيد خطوات حكومة بغداد العسكرية ضد المناطق المتنازع عليها في قرار (113) الصادر بتاريخ 29-10-2017، مع أن المحكمة الإتحادية قررت سابقا في قرار (11) بتاريخ 24-2-2013 أنها لن تعطي الرأي بشأن المناطق المتنازع عليها، واليوم تتخذ قرارا آخر ضد القرار السابق، لحاجة الحكومة الإتحادية إليها، أليس هذا دليلا دامغا أن هذه المحكمة ليست شرعية بل سياسية بامتياز، تصدر قراراتها حسب رغبة حكومة بغداد، لذلك لا نتوقع من هذه المحكمة أي قرار في صالح كوردستان، ولهذا من حقنا أن لا نعول عليها كثيرا في حسم الخلافات السياسية بين بغداد واربيل.
4) أين كان موقفها من استخدام القوة في حسم الخلافات السياسية؟ أليس ذلك مخالفا للمادة الدستورية رقم (9) اولاًـ أـ تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ أو إقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون أداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية". وأين كان موقفها من مشاركة مليشيات مسلحة خارج إطار الدولة الإتحادية، أليس ذلك مخالفا للمادة (9) ب:" يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة".
5) أين كان موقفها من تغيير اسم حكومة كوردستان؟ أليس ذلك مخالفا للدستور العراقي للمادة( 117 أولا) حيث تقول:" يقر هذا الدستور عند نفاذه إقليم كوردستان وسلطاته القائمة إقليما اتحاديا".
6) لماذا لم تتطرق المحكمة الى ديياجة الدستور فهي روح الدستور حيث وردت جملة مهمة تبين حقيقة العراق الجديد حيث تقول:" إن الإلتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضا وسيادة". هلا أشارت إلى هذه الفقرة أن العراق اتحاده ليس اجباريا ولا قسريا بل هو اختيارى، ومعنى ذلك من حق كوردستان أن يخرج من هذا الاتحاد إذا لم يتم الإلتزام بهذا الدستور الذي هو الضامن الوحيد لوحدة العراق، ولكن من المؤسف أن المحكمة لم تشر الى هذه الفقرة التي أقلقتها، وركزت على المواد التي هي في صالح الحكومة، منها المادة رقم(1) التي تقول:" جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق". ولا ننسى أن هذه المادة أشارت الى كون العراق دولة اتحادية ولكن سبق أن وصفت في الديباجة بأنها اتحادية حرة، ثم معلوم أن هذه المادة وكذلك فقرة الديباجة ركزت على نقطة مهمة، وهي الإلتزام بالدستور، وهي فقرة مهمة تعني أن عدم الإلتزام بالدستور لا يضمن وحدة العراق، وقد سكتت المحكمة عن خرق أكثر من (50) مادة دستورية من قبل بغداد، ونحن لجأنا الى الإستفتاء خوفا من هذه الخروقات الخطيرة للدستور، فالإستفتاء كان فرارا من الدولة الماردة، ولو تم تطبيق الدستور بإشراف حقيقي من قبل المحمكة الإتحادية لما وصلت العلاقة بين بغداد وأربيل إلى هذه الدرجة من القطيعة.



ولعل سائلا يسأل إن المحكمة لا تبت في قضية إلا بعد تسجيل الدعوى القضائية، وهذا صحيح ولكنا كنا نخاف من قراراتها أن تعكس سلبا على كوردستان، لأنها محكمة غير منتخبة، وقد طال أمد أعضائها، والغريب في الأمر أن حكومة العبادي كانت ترحب باستمرار بقرارات المحكمة، وقد قال السيد نيجيرفان البارزاني أصدق عبارة عندما شبه حكومة العبادي بشخص يذهب للمطعم فيأخذ قائمة الطعام، ويختار ما يشتهيه، ويترك ما لا يشتهيه، هكذا تفعل حكومة العبادي حيث تطبق المواد الدستورية التي في صالحها، وتهمش المواد التي ليست في صالحها، فجميع القرارات التي اتخذتها حكومة العبادي بعد الإستفتاء سياسية، ولو كانت صادقة في التزامها بالدستور لطبقت جميع مواد الدستور، ولكن تطبيق الدستور بصورة انتقائية خرق للدستور، وهذا يذكرني بقول الله تعالى عندما تحدث عن غير المؤمنين قائلا{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} فهذا الإيمان الإنتقائي غير مقبول في ميزان الله، لأن الإيمان الحقيقي هو الإيمان بالكتاب كله، فما تقوم به حكومة العبادي ليس تطبيقا للدستور، لأن التطبيق يقتضي الالتزام بجميع مواد الدستور، وليكن واضحا أن حكومة كوردستان كانت ولا زالت تؤكد على مبدأ تطبيق الدستور، ولو تم تطبيق الدستور لاستفاد الشعب العراقي جميعا، ولما بقيت أي مشكلة بين بغداد وأربيل، وحتى الإستفتاء الذي - هو حق طبيعي للشعوب- أجريناه بعد أن يئسنا من بغداد، وأصبحنا على قناعة أن هذا الدستور أصبح لا قيمة له، وأن مواده تضرب عرض الحائط ليل نهار، ثم لولا الكورد لما خرج هذا الدستور من رحم العراق الجديد، ويؤسفنا أن نقول أن الطبقة السياسية الشيعية بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003 كانت بأمس الحاجة إلينا - وذلك لمقاطعة السنة للعملية السياسية- لكي يعطوا الشرعية لسلطتهم وحكومتهم، فاستعانت بنا لكي يشرعنوا سلطتهم، ويمرروا ما يريدون من قوانين، حتى إذا قويت ووقفت على قدمها تخلت عنا في المرحلة الأولى ثم في المرحلة الثانية قامت بإضعافنا لكي تقضي على هذا الكيان الدستوري الذي هو إقليم كوردستان، ولقد رأينا مواقفهم المتطرفة، حيث بدأوا باستخدام مصطلح شمال العراق بدل كوردستان العراق، وهكذا حتى تصبح كوردستان في خبر كان، ويعود من جديد شمال العراق الحبيب، ولولا قوات البيشمركة التي تصدت لهذا المشروع الخطير، والدبلوماسية الكوردستانية الناجحة التي كانت تعمل ليل نهار مع دول العالم المتحضر وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا والدول الصديقة لتحقق لهم ما كانوا ينوون تحقيقه، ولكن يبدو واضحا أن الدول الديمقراطية ليست مستعدة أن تضحي بتجربة كوردستان المدنية الديمقراطية المتحضرة من أجل سلطة لا يُعرف مركز قرارها، ولا حقيقة هويتها، فهي سلطة متلونة حسب الظروف، فنراها سلطة ديمقراطية أمام الغرب، وعروبية أمام العرب، وإسلامية أمام الإسلاميين، ومدنية أمام المدنيين، وطائفية أمام الطائفيين، هذه ليست سمات الدولة الديمقراطية الناحجة، بل هي سمات الدولة التي لا مستقبل لها، ولهذا وصلنا الى ما وصلنا إليه من التخلف والدمار والخراب والفساد والإضطراب، بينما نجد حكومة كوردستان واضحة وصريحة في رفضها للحكومة الطائفية والدولة الدينية وتدعو الى الديمقراطية الحقيقية لكي تتطور وتلحق بركب العالم المتحضر.
أعتقد قبل أن نلغي الإستفتاء علينا إلغاء المحكمة الإتحادية التي غدت عقبة كأداء في طريق تقدم الديمقراطية والمدنية والعمران والشراكة الوطنية في العراق، فهي تساند خطوات الحكومة الإتحادية وتقف حجر عثرة في طريق مطالب شعب كوردستان، وما أكثر الأدلة على ذلك، ولقد ذكرنا بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر، مما لا مجمجة فيه أن المحاكم الدستورية ضرورية للبلاد وخاصة للدول الفيدرالية، ولكن الأمر مختلف فيما يخص المحاكم في العراق، فهي لا تؤدي دورها الحقيقي، بل إنها أضحت وسيلة لبعض الجهات المعروفة التي تتحكم في قراراتها، فكم من بريء جعلته إرهابيا، وكم من إرهابي أصبح بريئا، وجدنا ذا منصب رفيع في الحكومة بين عشية وضحابا إرهابيا، ووجدنا من كان متهما بالإرهاب يتبوأ مناصب مهمة في الدولة، إذن كيف يمكننا أن نتحدث عن العدالة والقانون والدستور، وكيف يمكننا أن نثق بقراراتها غير الثابتة، وغير العادلة، صفقات سياسية تتحكم في مفاصل المحاكم، مع أن المحاكم شكلت لكي تقضي على الصفقات والفساد والظلم والحيف والجور، لا خير في بلد يكون القضاء مسيسا، ولا خير في سياسة تتدخل في شؤون القضاء والمحاكم.


والذي أريد أن أصل إليه أن قرار المحكمة بعدم دستورية الإستفتاء لا قيمة قانونية له، لأن إستفتاء كوردستان يمثل رأي ملايين من الناس، أما المحكمة فهي تمثل رأي أفراد تم تعيينهم من قبل حكومة مؤقتة وهم موظفون للدولة العراقية، فالإستفتاء أعظم من المحكمة الإتحادية، وعليه لا يمكن لمحكمة صغيرة أن تلغي إستفتاء أمة عظيمة، وهذا الإستفتاء وثيقة تاريخة تبقى الى أبد الآبدين ودهر الداهرين، إن لم نتمكن اليوم - لظروف داخلية ودولية وإقليمية معقدة من إعلان الدولة، فإنها ستبقى وثيقة للأجيال القادمة لكي تعلن دولتها المستقلة متى ما تهيأت الظروف الملائمة والأرضية المناسبة.
Top