• Friday, 29 March 2024
logo

مصر تعبر مرحلة الإخوان

مصر تعبر مرحلة الإخوان
أسماء الحسينى:القاهرة

الجيش ينحاز لجموع الشعب ويعزل الرئيس ...والجماعة تخوض معركتها الأخيرة
فى تطور دراماتيكى متسارع فاجأت الأحداث الاخيرة فى مصر التى توجت بتصاعد الثورة الشعبية المصرية ونزول ملايين البشر قدروا مابين 16 و33 مليونا إلى الساحات والميادين والشوارع للمطالبة برحيل الرئيس محمد مرسى الذى ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين ، وذلك بالتزامن مع الذكرى الأولى لتنصيبه كاول رئيس مدنى منتخب قبل عام، وهو الأمر الذى انتهى بعد إنسداد أفق التوصل لأى تسوية مع الرئيس وجماعته إلى إستجابة القوات المسلحة المصرية لمطالب الجماهير وعزل مرسى، رغم الضغوط الأمريكية عليها وورغم تهديد الإخوان والجماعات الإسلامية المتحالفة معهم بالتصعيد، وقام وزير الدفاع المصرى عبد الفتاح السيسى بالإعلان عن ذلك فى حضور ممثلى الأزهر والكنيسة وبحضور ممثلين عن القوى المصرية المختلفة بما فيها حزب النور السلفى لكن فى غيبة الإخوان الذين رفضوا الحضور فى بيان كانت تنتظره الجماهير المصرية التى رابطت فى الشارع اياما بفرحة غامرة ، حيث انطلقت بعده صيحات الفرح والزغاريد فى كل شوارع مصر ، وأعلن السيسى ايضا عن تعيين عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا وآدائه اليمين الدستورية ، وتعطيل دستور مرسى الذى صاغه الإسلاميون بمعزل عن باقى القوى ، والإعداد لإنتخابات رئاسية مبكرة ، وتشكيل حكومة كفاءات ، والعمل على غدماج الشباب فى مؤسسات الدولة ، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية وميثاق شرف للعمل الإعلامى ، مع تحديد إقامة مرسى والقبض على بعض قيادات الجماعة ومنع بعضهم من السفر.
ورغم محاولات الجيش إرسال التطمينات لقيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وابناء التيار الإسلامى عموما ، وتاكيدها أنها لن تسمح بإهانتهم أو استفزازهم ، وتأكيد النخب المصرية على ذلك أيضا ، وأن المرحلة المقبلة لن تشهد أى إقصاء أو تهميش أو عزل أومحاكمة لأى منهم إلا وفق القانون ، لكن جماعة الإخوان والمتحالفين معها واصلوا التصعيد والدعوة للجهاد ومقاومة الجيش وقائده السيسى الذى أصبح بطلا فى نظر عموم المصريين ، لكن بعض قياداته يصفونه بالخائن ، ويدعون لإنشقاق الجيش عليه ، وقد وقعت ص2باح الجمعة عمليات إعتداء إرهابية على مواقع رسمية للجيش فى سيناء ، مما اضطر الجيش للتدخل بقوة لردع مجموعات إرهابية يشتبه فى صلتها بالإخوان ، وإعلانه سيناء منطقة للحرب على الإرهاب ، وبلغت ذروة تصعيد الإخوان بخطاب مرشدهم العام محمد بديع يوم الجمعة الماضى داعيا الإخوان لمقاومة مايصفونه بالإنقلاب على الشرعية وإعادة مرسى رئيسا بالقوة ، وهو الخطاب الذى اطلق شرارة العنف فى الشوارع المصرية ، وأعقبه تحرك المتظاهرين من الإخوان صوب أماكن تجمع الشباب الثورى ن مما نجم عنه احتكاكات أدت غلى سقوط 30 قتيلا ومئات المصابين حتى كتابة هذه السطور ، وهو الامر الذى يشبه خطاب الرئيس السابق مرسى الذى أيضا رفض فيه التنحى وأعقبته أعمال عنف واسعة .
وقد سبق الخطوة الأخيرة كثيرا من المقدمات التى أظهرت غضب وتذمر وعدم رضا قطاعات واسعة من المصريين عن آداء وسياسات الإخوان والرئيس فى الحكم سواء على الصعيد الداخلى أو الخارجى ، وقد ناصبوا جهات كثيرة وناصبتهم العداء، ليس فقط بسبب المشكلات الإقتصادية التى كانت عاملا رئيسيا فى سخط المصريين على حكم الإخوان، بسبب تدهور قيمة الجنيه المصرى وتدنى قدرته الشرائية وارتفاع معدلات البطالة ، خاصة بعد أن تفاقمت المشكلات المالية المزمنة على نحو خطير منذ انتخاب مرسى قبل عام ، مما جعل الحكومة غير قادرة على سد احتياجات غالبية المصريين الفقراء ومحدودى ومتوسطى الدخل الذين نفذ صبرهم ، وكانت أزمة الوقود فى الايام الأخيرة من جكم مرسى قد أدت إلى تكدس طوابير السيارات بالساعات أمام محطات الوقود ، فضلا عن الإنقطاع المستمر للمياه والكهرباء .
لكن فضلا عن ذلك كانت هناك الكثير من الأسباب التى دعت المصريين للثورة والتمرد على حكم الدكتور مرسى ، ومن بين هذه الأسباب مايقوله القيادى الإسلامى الدكتور ناجح إبراهيم الذى يتميز بفكره الناقد لسلوك الإسلاميين : أهم الأسباب فى ضياع هذه الفرصة من الإخوان والإسلاميين عموما هو الفشل فى كسب الأصدقاء والنجاح فى صنع الأعداء بل تجميعهم فى بوتقة واحدة ولم يكونوا ليجتمعوا فيها لولا خطاب الاستعلاء والاستعداء الذى تحدث به البعض وازدادت نبرته فى الفترة الأخيرةفقد نجحنا فى استعداء وتجميع المعارضين رغم أنهم من تيارات متباينة لم تتجمع أو تتوحد أبداً وكان معظمهم يؤيدوننا ويتوحدون مع الإسلاميين فى بداية الثورة.. ونجحنا فى استعداء القضاة.. حينما وصفنا القضاء جميعاً بالفاسد والفساد.. مع أن القرآن حينما تحدث عن خصومه من أهل الكتاب قال "ليسوا سواءً" حتى الشرفاء منهم بالغنا فى إحراجهم والضغط عليهم وإهانتهم بمليونية تطهير القضاء، ويضيف : ونجحنا فى استعداء الإعلاميين حتى الذين كانوا مع الرئيس وأيدوه فى حملته الانتخابية،ونجحنا فى استعداء الأزهر وشيخه وعلمائه.. فضلاً عن دعوات تغيير المناهج الأزهرية إلى مناهج أخرى تناسب الحركة الإسلامية الصاعدة، مع أن الأولى أن يبقى الأزهر دوماً بعيداً عن السلطة لا تابعاً لها ولا معادياً لها، وألاّ يتدخل فى أى صراع سياسى يدمره تدميراً ويحجزه عن الكثير من مواقع تأثيره.

يقول إبراهيم :كان يمكننا كسب شيخ الأزهر وعلمائه باحترامهم وتقديرهم وليس بإقصائهم وتهميشهم لصالح دعاة الحركة الإسلامية الذين هم أقل منهم علماً وفقهاً فضلاً عن تحيزهم لجماعاتهم وهذه سلبية فى الداعية والعالم وليست إيجابية،وكانت هناك حالة استعداء جماعية للمثقفين المصريين رغم اتفاق الجميع على حاجة وزارة الثقافة بالذات إلى إصلاح وتطهير، فالإصلاح يحتاج إلى رجل طاهر اليد نقى الفؤاد يستطيع بالسياسة والتدرج الإبقاء على الصالحين وعزل الفاسدين تدريجياً فى إطار مشروع جيد يقنع الجميع أننا نريد الإصلاح وليس إلغاء الآخر أو الحجر عليه
ويقول ناجح إبراهيم :كان يمكننا ألا نجر المسيحيين إلى عداوتنا ولكن البعض أصر فى الفترة الأخيرة على تهديدهم ووعيدهم فى خطابهم دون أدنى مبرر، كما أننا أدخلنا الدولة المصرية فى حرب غير مبررة مع الشيعة.. فكان يمكن للدعاة أن يردوا على الشيعة فكرياً ولكن لا يحملوا الدولة والرئاسة عداوة ١٠٠ مليون شيعى، نختلف معهم كدعاة، ولكن الدول لا تعادى شعوباً حتى إن اختلفوا معها فكرياً أو دينياً، يمكننا أن نختلف مع حكومات زائلة ومتغيرة، و يمكن مثلاً أن تهاجم الحكومة الأمريكية ولكن لا تهاجم الشعب الأمريكى حتى لو اختلفت معه دينياً وعقائدياً، خاصة إذا حدث ذلك فى حضرة الرئيس، وكان يمكن أن نكسب الجميع بخطاب التواضع والتسامح الذى يكسر العداوات ويخلق المودات، ولكن خطاب الاستعداء والاستعلاء أفقدنا معظم الأصدقاء، خاصة أننا لم نستطع أن نقدم للشعب المصرى شيئاً على الأرض، فكان يمكن أن نقدم له الكلمة الطيبة لعله يسامحنا على تقصيرنا فى الاقتصاد والأمن والسياحة والصناعة.
ومن جانبه يرى الكاتب والمفكر الدكتور حسن نافعة : أن جماعة الإخوان المسلمين اصبحت معزولة عن الشعب المصرى ، وأن على قياداتها أن تبحث عن أسباب ذلك ، أن تحاول علاجه ، وإلا حكمت على نفسها بالفناء التام ، وهو يرى أن الجماعة التى صمدت فى وجه كل المحن التى تعرضت لها منذ تاسيسها قبل ثمانين عاما ، إلا أنها لم تستطع أن تتأقلم مع الأوضاع السياسية والإجتماعية ، التى تغيرت جذريا بعد ثورة 25 يناير 2011.وهو يرى انه رغم أن الجماعة كانت هى القوة الأكثر تنظيما بعد الثورة ، مما سهل فوز حزبها بأكثرية المقاعد البرلمانية ووصول مرشحها للرئاسة ، مما مكنها من الهيمنة على السلطتين التنفيذية والتشريعية ، إلا أن هذه المكاسب المفاجئة وضعت الجماعة فى الوقت نفسه أمام إختبار صعب لإثبات أهليتها لغدارة شئون الدولة والمجتمع ،وتوقع الناس أن تتحلى بما يكفى من الحكمة وأن تعمل على الإستفادة من كل الخبرات المتاحة لغيجاد حلول للمشكلات المتراكمة ، ولكنها نكصت عن كل الوعود التى قطعتها على نفسها بإنتهاج منهج " مشاركة لامغالبة"، وكان جل همها هو إحكام هيمنها المنفردة ووضع يدها على كل مفاتيح السلطة بأكثر من عنايتها بإيجاد حلول لمشكلات الجماهير أو بإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس سليمة تحقق مشاركة متكافئة للجميع ، وظهر ذلك من خلال حرصها على الإحتفاظ لنفسها بنسبة كاسحة من المقاعد النيابية فى البرلمان ، وفى الجمعية التاسيسية لصياغة الدستور ، ثم موقفها المتعنت من كتابة الدستور ن والذى كان فرصة لبناء التوافق الوطنى ، مما أدى إلى أزمة عمقت الهوة بينها وبين الآخرين ، وبدا الرئيس السابق محمد مرسى عبئا إضافيا على الجماعة ، حيث تمتع بقدرات محدودة ، وعجز عن إقناع المصريين بأنه رئيسا لهم جميعا ،
تبنت الجماعة موقفا متعنتا وتمسكت بأن يكون لتيار الإسلام السياسى أغلبية كاسحة، فتحولت عملية كتابة الدستور من فرصة للتوصل إلى توافق وطنى إلى أزمة أدت إلى تعميق الانشقاق. وقبيل الانتخابات الرئاسية، أحلت الجماعة نفسها من تعهدها القديم بعدم التقدم بمرشح، ثم أحل الفائز بالمقعد الرئاسى نفسه من تعهدات كتابية كان قد قطعها على نفسه بأن يكون رئيسا لكل المصريين، حين التزم بتشكيل حكومة وحدة وطنية وبتعيين ثلاثة نواب للرئيس (قبطى وامرأة وشاب) وبالسعى لتصحيح الخلل فى تشكيل الجمعية... إلخ، ولأن الدكتور مرسى مارس صلاحياته فى القصر الرئاسى باعتباره ممثلا لجماعة الإخوان، وظيفته السياسية والوحيدة أن يساعد على التمكين لها فى السلطة، وليس ممثلا لكل المصريين، فقد كان من الطبيعى أن ييأس منه الشعب تدريجياً إلى أن انفجر فى وجهه غاضباً.

أظن أن الدكتور مرسى بنى حساباته على فرضيتين، الأولى: أن جماعته هى الأقوى من الناحية التنظيمية، والأكثر تماسكاً من الناحية العقائدية، والثانية: أن هذه الجماعة هى الأقدر على الحشد الجماهيرى. غير أنه أسقط الشعب من حسابه وتصور أنه يتعامل فقط مع أحزاب وقوى سياسية منظمة. لذا كان من الطبيعى أن يخسر المعركة بمجرد أن قرر الشعب سحب الثقة منه ومن جماعته. وهذا هو ما كشفت عنه حملة «تمرد» والتى أظهرت بما لا يدع أى مجال للشك أن جماعة الإخوان أصبحت معزولة تماماً وباتت تقف الآن وحيدة فى مواجهة الشعب. والشعوب لا تخاف من الجماعات، حتى لو تحول جميع أعضائها إلى أحزمة ناسفة
مصر بحاجة إلى أمور كثيرة لعبور المرحلة الراهنة المحفوفة بالمخاطر
لاشك انها بحاجة إلى دعم خارجى ، ويبدو انها يمكن أن تجد مثل هذا الدعم من المملكة العربية السعودية ودولة الغمارات اللتين رحبتا بالغطاحة بمرسى .
Top