• Thursday, 25 April 2024
logo

انتفاضة ربيع 1991 ..معنى للحياة و معنى للتأريخ

انتفاضة ربيع 1991 ..معنى للحياة و معنى للتأريخ
ترجمة/ بهاءالدين جلال


(( المقارنة بين معنيي الحياة والتأريخ،تحتمل الوقوف عندهما، سيما عند كلمة (المعنى) المعقدة التي تستخدم للمعاني العميقة و المخفية،ولكن المقصود بأستخدامها هو كيف بأمكاننا أنْ نصنع من خلال عملنا معنى لحياتنا،وبهذا الشكل يصبح معنى الحياة سؤالاَ اخلاقياَ يستوجب الاجابة عنه وهو كيف يمكنني أن أجعل لحياتي معنى ،أو كما يقول" كانت":ماذا علي أنْ أفعل؟وقد نجد جزءاً من الاجابة على سؤال"كانت" في ضرورة تمتع الفرد بالحرية و الأستقلالية بحيث يكون متساوياَ أمام القانون ويحترم حرية الآخرين،والشيء ذاته بالنسبة للتأريخ،لو تتبعنا المعنى المخفي للتأريخ سوف نخطأ فهمه، لذا علينا العمل معاَ لنمنح التأريخ معنى و هدفاً، وبدلاَ من متابعة المعنى المخفي للتأريخ من الافضل أن نتساءل أي هدف من اهداف التاريخ السياسي يمكن أن يشكّل قيمة تنسجم مع الانسانية و تتوافق ؟))
بوبر
انْ كانت انتفاضة ربيع 1991هو اليوم الذي صنع قطيعة في تأريخ الحركة التحررية لهذا الجزء من كوردستان،فأن استذكاره بحد ذاته هو الوقوف عنده،وسؤال هنا عن كيفية صنع هذا التأريخ،واذا كانت الاجابة عن السؤال بالنسبة الى عموم القطيعات التأريخية للثورات القومية و العلمية تعني أنّ الثورات و الانتفاضات كانت عبارة عن المحاكمة و التحقيق عند حدوثها،فهذا يعني أنّ الفترة اللاحقة تحتمل معان أخرى،ولكن أنّ هذا المعنى بالنسبة الى الحياة و التأريخ يتطلب أن نكون جميعا كأفراد و مجموعات و أحزاب سياسية عند المسؤولية أمام الحياة و كيفية الاقرار بأن يكون لها معنى متكاملاً وأهدافاً معينة،ولهذا فأن النهج الذي ندوّن به هذه السطور لايعود فقط الى صلب تأريخ الانتفاضة بل يتصل مباشرة بتأريخ حركة التحررالكوردستانية ، ولكنها في الوقت ذاته لاينصهر في سطور هذا التأريخ الحركة ولا بالمعاني المخفية،بل يتعداه ويلتحق بالحاضر،والحاضربحاجة ماسة الى استجابة سائر الافراد ،لنحقق مع الحاضر ونخطو نحو مستقبل و يكون فيه للحياة و التأريخ معنى وأنْ نضع في الاعتبار بأن تأريخ الانتفاضة و حركة التحرر الكوردستانية كان الهدف،والهدف بحد ذاته يشمل الحرية و التعددية و المساواة أمام القانون و الأحترام المتبادل.
اذاً من هنا نتساءل اذا كان هدف انتفاضة شعب كوردستان هو الحرية و التعددية و سيادة القانون كما اعلن ذلك السيد مسعود بارزاني رئيس الجبهة الكوردستانية آنذاك أمام الجماهير في كويسنجق،فإنّ ذلك الهدف كان ثمرة الانتفاضة الجماهيرية التي منح الهدف الرئيس لحركة التحرر الكوردستانية المعنى، وكان هذا عاملاً جعل الجماهير المنتفضة تحتضن قوات البيشمركة وتستقبلها عند وصولها الى المدن والقصبات وتسلّمها الانتفاضة و تحرّر منطقة بعد أخرى ،سيما المدن الكبيرة مثل السليمانية و اربيل ودهوك و كركوك،وسارت الجماهير خلف البيشمركة ، حتى احتفت الجبهة الكوردستانية وتوجتْ الانتفاضة بالنصربعد تحرير مدينة كركوك.

ونحن اذ نقول أنّ انتفاضة ربيع 1991 هي انتفاضة جماهير كوردستان وأنها سلمتها الى الجبهة الكوردستانية فأنّ هذا يعني:
1- ان شعب كوردستان يعتبر عموم الاحزاب و الاطراف الكوردستانية المؤتلفة في الجبهة الكوردستانية هي ممثلها الحقيقي،حتى لو كانت الانتفاضة هي استجابة لمطالب الجبهة الكوردستانية،أي أنّ شعب كوردستان كان يستجيب لسائر احزاب الجبهة،وليس المقصود هنا أن كل حزب كان مشاركاً حسب حجمه لأن الجبهة الكوردستانية كانت لها قيادة مشتركة ولم يتكلم أي كيان فيها بأسمه،و السيد مسعود بارزاني رئيس الجبهة الكوردستانية في ذلك الحين يقر بأن ذلك اليوم كان أسعد يوم في حياته عندما قبلتْ قيادة الجبهة مقترحه حول اجراء الانتخابات في كوردستان،صحيح أنّها كانت من اقتراح الرئيس البارزاني الاّ أنّ القرار يعود الى الجبهة الكوردستانية.

2- كانت الانتفاضة ثمرة ارادة شعب كوردستان،ولكن السؤال هو:كيف تحدد الارادة المعنى للحياة مابعد الانتفاضة وأهداف تأريخها؟و تأخذنا الاجابة عن السؤال الى البحث عن أهداف التأريخ السياسي لحركة التحرر الكوردستانية و توجيه السؤال ايضاً الى عموم الاحزاب السياسية والقادة السياسيين وهو:متى كان التأريخ السياسي لحركة التحرر الكوردستانية في خدمة قضية شعب كوردستان و متى كان
عكس ذلك؟
مما لاشك فيه أنّ هذا التأريخ يبين لنا انّ في الفترات التي كانت فيها حركة التحرر الكوردستانية موحدة و يسودها احترام للأفراد و التعددية السياسية، فإنّ هدف تأريخنا السياسي كان هدف شعب كوردستان ومهما كانت المكاسب صعبة المنال ولكن تحقيقها لم تكن مستحيلة،لقد تحققت مكاسب كبيرة في ظروف قاهرة،لذا فإنّ الانتفاضة كثمرة ارادة شعب كوردستان تدعوالافراد و المجموعات و الاحزاب السياسية الى ضمان حقوق الأفراد و التعددية السياسية وتبين لنا انّ لا معنى لحياتنا في الوقت الحاضر إنْ لم تتفق مع ارادة جماهير كوردستان المنتفضة،كما أنّ تأريخ الانتفاضة و حركة التحرر الكوردستانية لايمكن أنْ يكون له هدف من غير العمل المشترك،كما يجب أنْ يكون هدف الانتفاضة و حركة التحرر الكوردستانية هدفنا الحالي، ومن جهة اخرى عندما نعود الى هذا التأريخ علينا أن نعرف أنّ الهدف منها هو خلق الارادة ذاتها و نتساءل لماذا تشكل اختلافاتنا احياناً تهديداً الى وحدة صفوفنا و اهدافنا المشتركة؟
3- يذكر لنا هذا التأريخ أنّ الانتفاضة قبل أن تكون ثمرة ارادة شعب كوردستان ، فإنها ثمرة ار ادة الأحزاب السياسية قبل الانتفاضة،ولهذا لايمكن أن تكون الانتفاضة نتاج حزب ما، كما لايمكن لأرادة الجماهير أن تمثّل ارادة حزب ما،بل أن الحزب مهما يكون حجمه كبيراً فأنه يمثل جزءاً من ارادة الجماهير،لذا فإنّ تاريخ الانتفاضة يعلّمنا بأنه لايجوز أنْ تهمل الاحزاب ارادة الجماهير المنتفضة و اعتبارها ارادة حزبية،أو اظهار اخلاص الشعب في تعاونه مع الجبهة الكوردستانية كولاء لحزب سياسي معيّن،وهذا يوضح لنا اذا كانت الانتفاضة تهدف الى تحقيق الحرية،فيجب ربط ماضي الشعب بحاضره،وبمعنى آخر ترسيخ حريتنا الآن بحاجة الى وحدة الصفوف و ترتيب البيت الكوردستاني،واذا مانظرنا الى المسألة من منظور المكاسب فكيفما هي ملكنا جميعاً، فإنّ تبعات الخلل و النواقص التي حدثت في الفترات الماضية تقع على عاتقنا جميعاً وعلينا التكاتف من اجل تذليلها.
4- الانتفاضة علمتنا أنّ الوطن يزهو بتعددية الاراء السياسية و القومية و الدينية ،اذاَ فالهدف الآخر للأنتفاضة هوالتسامح و التعايش و العمل المشترك بين الافكار و الاتجاهات و الديانات و القوميات المختلفة،ولكن التعايش و التسامح بحاجة الى تنظيم لممارستهما،لذا علينا العمل من اجل استمرارهما و المحافظة عليهما،ويتجلى ذلك في بناء نظام ديمقراطي،و المهم هو أن نتعلم من الانتفاضة وجماهيرها أنّ شعب كوردستان على عكس قوميات و شعوب الشرق الاوسط قرر بمحض ارادته أن يكون النظام الذي يدير مرحلة ما بعد الانتفاضة نظاماً ديمقراطياً،لذا نرى أن شعب كوردستان بأختلاف توجهاته و قومياته و دياناته توجه يوم 19/5/1992 الى صناديق الاقتراع ، لم تتوجه للتصويت الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني ولا الى الاتحاد الوطني الكوردستاني والاحزاب الاخرى،بل صوتتْ للديمقراطية ليضع بيده اللبنة الاولى للديمقراطية في كوردستان،وكما اعلن السيد مسعود بارزاني ابان الحملات الانتخابية عام 1992لعموم جماهير كوردستان أنه ليس من المهم أنّْ يحصل البارتي أو الاتحاد الوطني على اكبر نسبة من الاصوات، بل أنّ المهم هو نجاح عملية الآنتخابات،لذا فأن سيادته أكد على أن نجاح الانتخابات هو فوزلعموم شعب كوردستان ،السؤال هنا : ما هو الشيء المهم في الوقت الحاضر؟وما الخطوات التي يجب اتخاذها لنجاح شعب كوردستان؟الجواب هو ايجاد حلول للخلل و النواقص في ادارة حكم البلاد،وهذا يتحقق بتظافر الجهود و بالتعاون بين الاحزاب السياسية،وهذا مؤشر على أنّ هدف الاحزاب الحاكمة و المعارضة هو تحقيق مطالب و احتياجات الشعب،وليس استخدام تلك المطالب لمصالح حزبية من قبل الاحزاب الحاكمة أو المعارضة،كما أنّ تلبية متطلبات الجماهير هي هدف آخر للأنتفاضة.
5- علمتنا انتفاضة شعب كوردستان أنها كانت ضد انتهاكات حقوق الانسان ، لذا نجد أن شعب كوردستان ابدى احترامه الكامل لحقوق الانسان في خضم حماس الانتفاضة الجماهيرية والدليل هو أن الجنود الذين وقعوا أسرى بيد قوات البيشمركة و جماهير كوردستان ودّعوا الى اهاليهم بكل احترام و تقدير من غير أي اعتداء،وهذه رسالة على غرار بيان استقلال امريكا الذي اشار الى ضرورة تحرير الامريكيين وهذا لايعني تحريرهم من قبضة البريطانيين بل يعني ذلك تأسيس جمهورية امريكية حرة،والانتفاضة تنقل لنا رسالة الحرية و الاستقلال ذاتها،و تدعونا الى تأسيس جمهورية كوردستان الحرة،وهي بحاجة دائمة الى اعادة تمجيد رسالة الانتفاضة التي تُعَدّ مهمة تقع على عاتق الجميع.

6- الانتفاضة تقول لنا أنا جزء من ثمرة دماء شهيدات كوردستان، ولهذا فأن جزء من حريتي هي حصتهن ولايمكن لأحد سلبها،لأنهن سطّرن تلك الحرية بدمائهن وقدّمن العشرات قرباناَ لأنتصار الانتفاضة.وهذا يدعونا الى ضرورة احترام حقوقهن، واتاحة المجال أمامهن تقديراَ لدورهن في الانتفاضة.
بناء مرحلة مابعد الانتفاضة أهم من الانتفاضة ذاتها
نجاح الانتفاضة لايعني فقط اسقاط نظام ما،بل أنه يكمن في اعادة بناء نظام يحل محل النظام السابق، وفي هذا الصدد اذا ما قارنّا بين انتفاضة شعب كوردستان وبين انتفاضتي أهالي جنوب و وسط العراق،لوجدنا أنهما حدثتا في الفترة ذاتها أي في ربيع عام 1991 واستطاع المنتفضون في المنطقتين من تحرير مدن و قصبات عدة،ولكنهم لم يتمكنوا من المحافظة على روح الانتفاضة و ديمومتها و الوقوف عندها وربطها بحاضرهم،لذا فإنّ نجاح الانتفاضة بالدرجة الاولى يكمن في تحقيق أهدافها وما يليها من اعمال يمنح تأريخها معنى متميزاً،وكذلك استمرارية مايمكن نقرره بعد الانتفاضة وما علينا أنْ نعمله، ولهذا عندما نتحدث عن تأريخ الانتفاضة لانشير فقط الى الرفض و إنّما عن بناء حياة جديدة،وكان على نفس المنوال في مجمل تأريخ البشرية لأن الثورات و الانتفاضات لم يكن لها هدف واحد، وعلى سبيل المثال، صحيح أنّ ثورتي الفرنسية و الامريكية كانتا تهدفان الى تحقيق الحرية و الديمقراطية،الاّ أنّ هدف ثورتي الصينية والروسية لم يكن ترسيخ الديمقراطية،هذه الحقيقة تتجلى في الثورات و الانتفاضات العربية التي ليس من شروطها تحقيق الحرية و الديمقراطية،أو المطالبة بسقوط الأنظمة أو الدعوة الى هذين الهدفين،ولمعرفة هذا الجانب توجهنا بالسؤال الى البروفسور آني بوميرو استاذة الفلسفة السياسية والاجتماعية في جامعة ريجارد ستوكتون،حيث تحدثت ل(كولان) قائلة: ((عندما يقرر الشعب القيام بالأنتفاضة أو الثورة، يريد أنْ يقول أن الواقع الذي يعيشه لم يبق فيه طعم للحياة أو ليس لها أي معنى،وان سبب اندلاع الثورة يعود الى القناعة لدى الشعب بأنّ الواقع الذي يعيش فيه قد أساء الى كرامته وحياته الكريمة،وفي هذا المنطلق فإنّ مقومات البنية الناجحة للثورة و الانتفاضة هي التوحد على أساس المحبة المتبادلة وليس على أساس الحقد و الكراهية ازاء الأعداء السياسيين،وفي جانبه الآخر هي ابداء التعاون و الدعم المتبادل لبناء مرحلة مابعد الانتفاضة،وعلى سبيل المثال إنّ الثورة بنتْ دولة امريكا الحرة ولكن يتجاهلها الامريكيون أحياناً،الثورة التي اندلعتْ بدافع التحرر من الامبراطورية البريطانية،اذاً أنا أفكر في الثورة الامريكية،كيف أن ابناء الشعب الامريكي كانوا في خضم الثورة متعاونين و متلاحمين،وهذه مهمة صعبة للغاية تحتمل الوقوف عندها،ومن هنا أؤكد ضرورة أنْ يكون الدافع الأساس للثورة نابعاً من الحرص و الأهتمام بين ابناء الشعب لضمان الأمن و الحرية و التقدم الاجتماعي،وهذا هو سرالنجاح الحقيقي للثورة،ويتطلب حدوث تغيير في العلاقات بينهم منها الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية نحو اتجاه جديد،المعروف أنّ الشعب لايستطيع اعلان ثورته على أساس الرفض فقط، بل يجب أنْ يكون على أساس التطلع الى بناء حالة يعيش فيها الكل في حياة سعيدة وآمنة)).

ما أشارت اليه السيدة آني بوميرو هي المحبة و التنسيق بين مختلف مكونات المجتمع،التي تحدد النجاح الحقيقي للثورات و الأنتفاضات،وهذا ليس في مرحلة اندلاعها وإنّما بعدها حين تبدأ عملية البناء،وفي هذا الصدد تُذكّر بالثورة الامريكية حيث لولا مساندة و محبة الامريكين لبعضهم البعض لما نجحتْ الثورة في بلادهم و بناء جمهورية حرة،وحول عدم نجاح كافة الثورات و الأنتفاضات في العالم كما هو الحال في تأريخ كوردستان سألنا البروفسور دانيال كاربراستاذ الفلسفة في جامعة برينستون ، فضلاَ عن قناعته بأن المرحلة مابعد الثورات هي من اصعب المراحل الاّ أنّه يعتقد بعدم نجاح عموم الثورات و في هذا الصدد اضاف: (( من الصعب الاجابة عن هذا السؤال،لأن هناك ثورات و انتفاضات اندلعت بوسائل و أشكال مختلفة،ومن الامثلة المعروفة الحرب الاهلية للأنكليزو الثورات الامريكية و الفرنسية و الروسية،حيث هناك اختلاف في قيادتها و عوامل حدوثها وأهدافها ونتائجها،أنا متردد من اعطاء تفسير عام حول تلك الثورات لأن لكل واحدة منها أهدافها الخاصة،كما أن كثير من الثورات و الانتفاضات تم قمعها، وعلى سبيل المثال قمع الثورة الروسية عام 1905 و الثورات اللاحقة ،وفي الوقت الحاضر هناك احتمال بقمع الأنتفاضة في سوريا،ولكن النقطة المهمة هي مرحلة بعد الثورة و الانتفاضة ،و منْ يُعلن الثورة فعليه معرفة أنّ المرحلة اللاحقة سوف تكون صعبة جداً وادارتها تكون غير ناجحة أحياناً،اعتقد أنّ مرحلة مابعد الثورة الفرنسية محل اهتمام، كذلك مايحدث حالياً في مصر و ليبيا،اذاً هذه ليست سهلة، قد يجوز اسقاط نظام قمعي اسهل من تشكيل حكومة أفضل محله،وكان هدف الثورة الامريكية هو تحقيق الديمقراطية،بالرغم من أنّ ذلك تطلب وقتاً أطول، الاّ أنّ نتيجة الثورة الصينية لم تكن الديمقراطية كما هي الثورة الروسية،وكأنسان أدعم الديمقراطية أتمنى أنْ تهتم الثورات بتحقيق الحريات، ولكن في النظر الى التجارب السابقة لم يكن هناك أي نتيجة من هذا القبيل)).

اذاً هدف الثورة يحدد ايضاً هويتها و تأريخها،وبالنسبة للثورة القومية التي يتم قمعها من قبل النظام وجهنا سؤالاً الى البروفسوردونالد مينهاند استاذ الامور العامة في جامعة ويسكونسين- ماديسون فأجاب ل(كولان) قائلاً: ((من الضروري وجود دعم كبير بين المجموعات المختلفة لتحقيق أهداف الثورة،واذا أخذنا الثورة الامريكية كنموذج نجد انها كانت تحوي شعوراً قوياً بين مختلف الشرائح المشاركة فيها كونهم قد ظُلموا واضطهدوا من قبل الاستعمار الامريكي،كما نجد بين صفحات التأريخ أنّ كثيراً من الثورات قد اندلعت بهدف صنع أمة و ترسيخ وجودها،واعتقد أنّ احد خيارات نجاح تلك الثورات هو ايجاد سبيل للتعايش مع الشعوب الاخرى،في الحقيقة أن امريكا استطاعت تحقيق اهداف ثورتها بسبب قطيعتها الجغرافية،على عكس اوروبا حيث نلاحظ أنّ يوغسلافيا السابقة أو ايرلندا عندما انتفض شعباهما كانتا في عداء و خلاف اطول مع الدول الجوار،ايجاد النقاط المشتركة بين شرائح المجتمع المختلفة يُعتبر من الامور المهمة من اجل تحقيق سلام دائم في مرحلة مابعد نجاح الانتفاضات،وبالنسبة لمرحلة مابعد انتصار الثورة اقول بكل صراحة أنّ اندلاع الثورات و الانتفاضات لايعتبرمن الخطوات المهمة من غير اتخاذ السبل الكفيلة لتشكيل الحكومة بعد انتهائها وذلك من اجل مواصلة نجاحها، عند تشكيل الحكومة في امريكا لايُسمح لأي مجموعة أو حزب أن يسيطر على الامور و يمارس السلطة الدكتاتورية أو الملكية،وهذا يعتبر درساً للدول الاخرى في عدم السماح لأي مجموعة من المجموعات بالسيطرة على ادارة البلاد بشكل منفرد من غير مشاركة المجموعات الاخرى)).
كيفية اعتماد آلية موحدة والعمل المشترك في مرحلة الانتفاضة و بعد نجاحها من الامور المهمة،البروفسور ستوارت كوهن استاذ القانون في جامعة فلوريدا شرح لنا الموضوع قائلاً: (( اعتقد أن هناك عاملين مهمين بالنسبة الى مرحلة مابعد الثورات و الانتفاضات،الأول هو الشفافية و الثاني المشاركة،وأقصدهنا توعية الشعب لمعرفة من هي الجهة الحاكمة و ماهي سياسة الحكومة،أما الهدف من المشاركة هومنح الشعب الفرصة ليقرر منْ يدير تلك السياسة عبر الانتخابات المباشرة،حقاً انهما مهمان،الشفافية و المشاركة العامة،هذان العنصران اكثر أهمية بالنسبة الى الثورة القومية لأن الشعب المضطهد يعني الشعب الذي سُلبتْ حقوقه الرئيسة،كالعدالة،والحرية ،لأن الثورة في هذا الصدد هي محاولة لأعادة تلك الحقوق،ولاطلاق سراح الاشخاص المعتقلين جذافاً،و كذلك لأعادة العدالة الى البلاد،اذاً انها الخطوة البدائية المهمة الى حدما لأنجاز هذه المهمة.

وبالنسبة الى مرحلة اعادة البناء وهي مهمة ايضاً فأنها قد تحتاج الى الدعم الخارجي،واكرر ثانية بأهمية وجود العنصرين ( الشفافية و المشاركة العامة) لأن الاول يساعد القادة أن يكونوا أمناء و نزيهين في مرحلة الاعمار،وهنا تظهر اهمية الدعم الخارجي والسبب هو أن الشعب الذي تعرض الى القمع ابان الثورة لايملك المصادر الضرورية لذا من المهم أنْ يتم تأمين الدعم اللازم له ليتمكن من بناء مقومات بلاده منها انشاء الطرق ووسائل الاتصالات و الرعاية الطبية،وكل الجوانب الاخرى التي تساعد على الاعمار،سيما الجانب التربوي،ومن المعلوم أنّ البلاد لاتملك عند اندلاع الثورات تلك المصادر لذا الأجدر بالقادة الجدد نيل رضا و ثقة شعبهم و الاطراف الخارجية،لتتمكن بلادهم من الحصول على مقومات التنمية و لأرساء دعائم البنية التحتية )).
Top