• Friday, 29 March 2024
logo

تحديات مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية

تحديات مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية
ان المشكلات القائمة امام مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية ليست مجرد مجموعة من المشكلات تتطلب مواجهتها والعمل من اجل عدم عرقلتها للمزيد من التقدم وارساء دعائم الديمقراطية في المجتمع،وبمعنى آخر و بصراحة تامة لاتوجد هناك معايير معينة لمرحلة الانتقال،او تحديد الزمن لقطع المرحلة،والاهم من ذلك ان مرحلة الانتقال في كل الدول ليست بحد ذاتها تجربة تنتهي مع الوصول الى بر المجتمع الديمقراطي، و إنما في معظم الدول المستعمرة عندما تبلغ مرحلة الاستقلال وتبدأ بالتخطي نحو البناء الديمقراطي،فانها لاتستطيع قطع تلك المرحلة بل تتراجع مرة اخرى الى انظمة غير ديمقراطية، اذن فأن الوقوف على مرحلة الانتقال يشكل احدى المسائل المهمة التي تحتاج الى انتقالة شاملة للمجتمع،ليتسنى لها التكييف مع الحياة الجديدة، والتي هي في حد ذاتها تحتاج الى تغيير في مكونات وعناصر تلك العملية، وعندما تنتقل الاحزاب السياسية فى تلك البلدان من مرحلة الشرعية الثورية الى مرحلة الشرعية الدستورية والبرلمانية ، عندئذ تواجه مهمة التمثيل المباشر للمواطنين.

وبصدد الانتقالة التي يواجهها المجتمع في هذه المرحلة الحساسة، تحدث البروفسور جوليو صاموئيل فالانزويلا استاذ علم الاجتماع في جامعة كولومبيا عن المرحلة الانتقالية قائلاً: ((عند المرحلة الانتقالية فأن كل انواع التنظيم و العلاقات بين المجاميع تبدأ بالتغيير، وذلك بالاستناد الى تحقيق المزيد من الحريات التي تساعد على التجمع وتشكيل المجاميع، ففي تلك المرحلة تبرز علاقات جديدة من الحوار و المباحثات بين المواطنين والمسؤولين والحكومة، الى جانب ظهور الاحزاب السياسية في تلك المرحلة،ولكن بعض تلك الاحزاب تواجه الفشل اثناء الانتخابات ولا تحقق الفوز،ونتيجة لذلك فان نسبة التمثيل العضوي لها تنخفض أيضاً،ثم ان معظم هذه الاحزاب ليست ديمقراطية على المستوى المحلي، لذا نجد من الصعوبة بمكان ايجاد آلية ديمقراطية لعملية دمقرطة الاحزاب السياسية، والمسألة هنا تتعلق بالزمن وتحدث مع مرور الوقت)).

اذن فأن ما اشار اليه البروفسور جوليا حول عملية التغيير وعلى المستويات كافة، يراها البروفسور ماسيولفيس استاذ العلوم السياسية ومدير مركز كروفت في جامعة اينديانا بانها عبارة عن كيفية اقرار المجتمع لاختيار نوع نظام الحكم، فقد اعرب البروفسور لفيس عن وجهات نظره حول الموضوع بقوله : (( ان االبلدان التي اتخذت الخطوات خلال 30-40 السنة الماضية من مرحلة الدكتاتورية نحو الديمقراطية، نجد ان اكبر ما تواجهها من التحديات هي ان تسير بأى اتجاه او تختار اى اتجاه، انا اعتقد ان اهداف تلك البلدان تتركز في الاقتصاد الليبرالي و اقتصاد السوق،وعلى اية حال فالقرار هو التحديات بحد ذاته،فعلى سبيل المثال، اية نخبة نختار ومن هو مصدر القرار و كيف تصنع القوانين؟ وكيف يصاغ الدستور وما صيغة الانتخابات فيه؟ وهل يكون النظام برلمانياً ام رئاسياً ؟وكيف تحتسب الاصوات؟ وحسب رأيي فأن هذه مشكلة بعض الدول ومن بينها العراق،ولكن لو سألنا انفسنا ماهي الاختلافات التي ستظهر في اثناء المراحل الانتقالية؟ ان هذا السؤال برز بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق،وعلى سبيل المثال في اوروبا الشرقية، السؤال هنا هو:متى تعد تلك البلدان في مصاف البلدان الديمقراطية وهي ليست في المراحل الانتقالية؟ وبالرغم من أن بناء اقتصاد السوق والديمقراطية في بلدان اوروبا الشرقية مر عليه عشرون عاماً,ولكن مازالت البحوث تجرى بشأنها الى يومنا هذا بأعتبارها تختلف عن بلدان اوروبا الغربية،العامل الوحيد لانهاء المرحلة الانتقالية في بلدان اوروبا الشرقية، هو الحرية و اجراء الانتخابات الحرة،اعتقد ان هذه مؤشرات لانهاء الانتقالية، والمؤشر الآخر هو اقرار المواطنين بحل مشكلاتهم عن طريق المؤسسات الديمقراطية،حينها تتطور العملية الديمقراطية بشكلٍ اكثر فاعلية، ولكن اللجوء الى الحل الديمقراطي يعني أنه لابديل لحل المشكلات غير هذا الاسلوب .

وكرأيي الشخصي فأن الموروث السياسي الديمقراطي مهم جداً بالنسبة للمجتمع، سيما على مستوى الافراد كونها تنتمي الى اطراف مشتركة لها علاقات مباشرة مع السياسة الديمقراطية،فمثلاً،التسامح، الحرية في المشاركة السياسية،حرية التعبير مع المجتمع المدني و الإعلام،وبأعتقادي ان هذه العوامل مؤشرات الى حصول التغيير على المستوى الوطني،لذا اعود مرة أخرى الى تجارب دول اوروبا الشرقية بعد تفكك الدول الشيوعية والبدء بمراحل بناء الدول الديمقراطية،وكان السؤال الكبير الذي يواجه تلك الدول هو في اختيار نوعية نظام الحكم الذي ينسجم مع الديمقراطية الليبرالية،وفي الوقت ذاته كان للنخبة الشيوعية في الانظمة القديمة دور مشهود في الانظمة الحديثة،نقطة الخلاف في العملية الديمقراطية هي أن في العملية السياسية يحق لأي طرف أو جهة المشاركة فيها،حتى لو لم تؤمن تلك الجهات أو الاحزاب السياسية بالنهج الديمقراطي على المستوى المحلي ولاتتفق مع النظام الديمقراطي،وعلى سبيل المثال هناك في الغرب أحزاب شيوعية تشارك في الانتخابات الديمقراطية،أي أن الكثير من الاحزاب السياسية تنتهج الدكتاتورية والمركزية على المستوى المحلي،في حين لها مشاركات في الانتخابات الديمقراطية،لأن العملية الديمقراطية هي عبارة عن صراعات شرعية بين الاحزاب السياسية واجراء الانتخابات بشكل شفاف ونزيه ومفتوح،لهذا انا اعتقد ان المسألة تتعلق بتغيير عقلية النخب و قيادات الاحزاب السياسية)).

والجانب الآخر لتحديات هذه المرحلة يتعلق بتعامل أفراد المجتمع والتزامها بالثقافة الديمقراطية،وحول هذا الجانب اشار البروفسور رادولف ريزمان استاذ العلوم السياسية و الاجتماعية في جامعة (Liublijana)في سلوفينيا،في حديثه الى (كولان)بما يأتي: (في البداية اريد ان اشير الى القليل من التحديات ولكنها كبيرة بقدر ما يتعلق بسؤالكم. التحدي الاول يتعلق بوعي الافراد المنتمية الى المجتمعات المختلفة وهذا يعني الهوية الجماعية، ومثلما مهم أن يعرف كل فرد مستوى وعييه وشخصيته ليكون ناجحاً في حياته،علينا في الوقت ذاته التأكد من مبادئهم الاجتماعية المشتركة،التأريخ المشترك، الثقافة المشتركة،اللغة المشتركة،المصير السياسي والنهج الديني المشترك والخ...،وهذا كله يصب في مسألة بناء دولة و مجتمع موحد مبنيان على القيم الديمقراطية و يساندهما نظام ديمقراطي طويل المدى,التحدي الثاني يتعلق بالمستلزمات حيث في الواقع ثمة جهود مقنعة لبناء دولة تستطيع أداء مهامها وتستند على الاسس القانونية(دولة قانونية)من جهة وعلى وجود مجتمع مدني حقيقي من جهة أخرى، وهذا يعتبر كذلك تقييماً لاداء المهمات اليومية للدولة ،وفي الوقت ذاته يؤدي الى تطوير وتنمية الافكار الجديدة و المصالح الاجتماعية المختلفة،والتي على الدولة أن تعي بها و تلبيها بدقة.

التحدي الثالث يتعلق ببناء التوازن الصحيح بين قطبي المجتمع( الدولة والمجتمع المدني) معاً، بالتأكيد هناك تحديات أخرى،تتعلق بالمجتمعات ذاتها وعليها ايجاد تعريفات صحيحة لها،ومن الممكن استخدام التوصيات المتميزة للمجتمع المدني بين فترة وأخرى والتعلم منها،ومن المهم هنا أن أشير الي أهمية دور الاحزاب السياسية،لانها مؤشرات عملية على حقيقة أن هناك حلول سياسية مختلفة أمام المواطنين،و لكن هذا ليس كافياً، لان تطوير العملية الديمقراطية في المجتمع يستوجب قيام الاحزاب السياسية فيما بينها بتبني القواعد الديمقراطية وتتصرف على ضوئها، والاكثر من ذلك عليها العمل من أجل التقليل من التصرفات الديماغوكية والتي تسبب الخوف لدى مختلف الاطراف،ومن المحتمل أن تصبح عاملاَ لكسب ثقة المقترعين لفترة قصيرة،ولكن في المدى البعيد تهدد المصالح المدنية، مهم جداً أن يكون القادة محل الثقة ولايفرضون أنفسهم على أفراد المجتمع ،ولكن لايجوز تبني الحياة الديمقراطية داخل الاحزاب عن طريق فرض المبادئ القاسية والعنيفة،بل يكون بالشكل الذي يؤدي في النهاية الى ان يلقى القادة تأييد الجماهيرالذي يستحقونه حقاً،ولا ضير في أن يظهر بين القادة شخصيات كاريزمية،شريطة أن يكونوا قد تم اختيارهم فعلاً بين احزابهم في عملية ديمقراطية حقيقية وفق الضوابط الديمقراطية،والتي تضم الى جانب الاحزاب السياسية الديمقراطية الحقيقية و النامية،وكذلك المجتمع المدني،وعلى الاحزاب السياسية ايلاء الاهتمام بأصوات المجتمع والتكييف معها،وأن تكون هذه الاصوات عاملاً مساعداً في جمع المزيد من الدعم و الاسناد لها لتحسين أدائها في اثناء الانتخابات،على قادة الاحزاب السياسيية أن يكونوا مدركين بحقيقية أن لاشئ يدوم كالحياة الدائمة لاحزابهم، فمن هذا المنطلق على القائد الحكيم وضع تلك الحقيقة نصب عينيه لان ثقة المجتمع بأحزابهم يعتمد على مدى عملهم المستمر وبشكل مقنع من اجل بناء هذه الثقة، كما على القادة والاحزاب السياسية أن يدركوا جيداً بأن في زمن العولمة، لايتحملون تجارب أمتهم فقط ،وانما يواجهون تجارب المجتمع المدني،سيما مشاركتهم في بناء النظام الديمقراطي والقيم الديمقراطية)).

من المعلوم أن هناك اختلافاً في التقييم و ووجهات النظر ازاء مشكلات ومعوقات مرحلة الانتقال الى الديمقراطية وفي هذا الاطار يعتقد البروفسور محمد علي كاديفار استاذ علم الاجتماع في جامعة نورس كارولينا ان هذه المرحلة تنقسم الى ثلاثة اقسام و في حديث خاص ل(كولان) اشار الى التحديات بقوله: (في أدبيات عملية الدمقرطة،فأن عملية الانتقال تنقسم الى ثلاث مراحل، الاولى تصدع وتآكل الانظمة المتسلطة، الثانية هي المرحلة الانتقالية وهي مرحلة سقوط الانظمة المتسلطة واجراء اول انتخابات،والاخيرة هي مرحلة ارساء وتعزيز الديمقراطية،وفي اعتقادي ان سؤالكم يتركز اكثر على مرحلة الدمقرطة ومرحلة ارساء وتعزيز الديمقراطية، ولو تحدثنا عن تلك المرحلة – المرحلة الانتقالية و ارساء وتعزيز الديمقراطية- فأن اهم التحديات في المرحلة الانتقالية هي تقبل الاطراف للديمقراطية كلعبة رئيسة؟ وفي حال ذلك سواء على أساس قيمها أم مصالحها،فهذا يعني القدرة في السيطرة على التحديات،اما في ارساء وتعزيز الديمقراطية فأن أهم مسألة هي الاداء الاقتصادي للنظام،ولو كان هذا الاداء رديئاً عنئذٍ يصاب الناس بخيبة أمل ويتولد لديهم تصور بأن الديمقراطية لا تنفعهم،كما كانوا يتوقعونها، ولنجاح هذه المرحلة على النظام ان يتميز بأداء اقتصادي متفوق ، وعلى الاحزاب السياسية اداء مهامها، كما اننا نحتاج الى حرية الصحافة،ومع ذلك باعتقادي من الممكن في هذا المجال الضغط على الاحزاب السياسية،فمثلاً أن توجه الصحف الانتقادات الى الاحزاب السياسية،وتطالب منظمات المجتمع المدني الشفافية من الاحزاب السياسية ،وتكون مشاريعهم الداخلية ديمقراطية،والمسألة المهمة هي المشاركة الطوعية للمواطنين في المنظمات والجمعيات،ويقول الكسي دي توكفيل في كتابه(الديمقراطية في امريكا) ان سر نجاح الديمقراطية في امريكا تكمن في المشاركة الطوعية للجماهير،وهذا يجعل الديمقراطية اكثر شفافية وتكون عند المسؤولية ويتعلم الناس كيف يتبادلون الثقة و القيم الديمقراطية فيما بينهمس،ولكن الاحزاب السياسية لايمكنها أن تكون لوحدها عامل نجاح الديمقراطية، وانما ارساء الديمقراطية تحتاج الى المشاركة الطوعية و تأسيس منظمات المجتمع المدني،ففي الولايات المتحدة الامريكية والتي تعد من اعرق الدول الديمقراطية في العالم لاتقتصر مشاركة الجماهير فيها على التصويت للاحزاب السياسية فقط وانما تشارك على المستوى المحلي ، في الاتحادات التجارية والمنظمات المهنية،وبأعتقادي أن وجود تلك المنظمات و الجمعيات الى جانب الاحزاب السياسية يحل مشكلة التمثيل)).

ظهور الفساد ومعالجته في المرحلة الانتقالية
المسألة الاخرى على الصعيد الاقتصادي والتي تشكل تحدياً أخر امام المرحلة الانتقالية،هي نقل الاقتصاد من الدولة الى السوق، وخلال عملية الانتقال قد تبرز ظاهرة الفساد لمرات عدة، أما بصدد الفساد الذي ظهر خلال العقدين في دول وسط و شرق اوروبا،توجهنا بالسؤال الى البروفسور رادولف ريزمان استاذ العلوم السياسية في سلوفينيا، فأجاب الى (كولان) قائلاً : (الانتقال نحو الديمقراطية ليس بحد ذاته دواء مضاداً للفساد،وبما أن الفساد ليس شيئأطبيعياً أو جزءاً من طبيعة الانسان،لذا فمن الممكن تخفيف دوره المدمر على المجتمع وقيمه،وهذا يتم عن طريق الدور الفاعل والمستقل للمؤسسات التي تم تشكيلها لمواجهة الفساد وتراقب المصالح الشخصية و مصالح الدولة بحيادية، كما لايجوز اقتصار كامل الحياة الديمقراطية في مسألة التمثيل،ان ظاهرة الفساد متفشية في كل المجتمعات ولكن بنسب متفاوتة،وحتى انها قد تفشت بنسبة كبيرة في الدول التي تمر بالمرحلة الانتقالية ( الديمقراطية)، ويعود سبب ذلك الى عدم وجود آليات للسيطرة الاجتماعية والانظمة القانونية المناسبة، ولايجوز أن ننظر بهذا الشكل الى الانتقال من مرحلة اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق بأعتبارها عملية مفاجئة أو نقوم بتنفيذها بسرعة،ومن هذا المنظور فان اقتصاد الدولة وكذلك اصول اقتصاد السوق متساويان في المساوئ، علينا تأييد اقتصاد السوق وليس مجتمع السوق،وعلى المجتمع والدولة ايجاد السبل و المؤسسات الضرورية لتحديد وتنظيم تجاوزات السوق،الاسواق ليست كافية لوحدها بالرغم الى اهميتها،ولكن في الوقت ذاته لاتلتزم بالاصول او تصحح خللها، وعلى الوكالات الدولية تحديدها وتنظيمها،وفي اعتقادي ايضاً لايجوز ان نعلق الآمال على التوقعات غير الواقعية او على التوقعات الاكثر تفاؤلاً،ان تزايد الحريات ومصادر المعلومات هي عملية بحد ذاتها: اذن من الاهمية بمكان أن نتمكن من اجراء قياس التطور عبر مراقبة الزيادة او النقص،وفي حال ملاحظة ظهور النقص، فهذا يعني الانذار لذا من الضروري اتخاذ الاجراءات اللازمة لعكس العملية السلبية، ان المجتمع بدون هذين الخزينين يشبه شخص بصير يستطيع السير ولكن بهدوء وحذر،ومع هذا،على المجتمعات التي تمر بالمرحلة الانتقالية اتخاذ خطوات أسرع،اذا ما أرادت أن تلحق بالمجتمعات المتطورة)).

الجانب الاخر للفساد يتعلق بعملية الخصخصة،وحول هذا الموضوع سألنا البروفسور ماتيو لفيس فأجاب قائلاً:( مشكلة الفساد لاتكمن في قيام الدولة ببدء عملية الخصخصة،او القيام ببيع ما في ذمتها، بل في استعداد البعض لشراء الاملاك، وهم مجموعة محدودة ومعينة، ومن هنا يبدأ الفساد،وذلك بسبب ان السوق لايعمل وفق الحاجة،فعلى سبيل المثال نجد في دول مثل( بولندا،الأرجنتين،شيلي،روسيا) فأن بيع املاك الدولة فيها الى الاسواق سبب أزمة كبيرة، بعض هذه الازمات استمرت لعشرات السنين،فمثلاً في روسيا بالرغم من تحسن الاوضاع الاقتصادية والاسواق، ولكن لازالت تتميز بحالة عدم المساواة وفرق شاسع في مستوى دخل الافراد،والمسألة هنا تتعلق بالسرعة و منهاج مؤسساتية الاسواق في الدول التي هي الان في المرحلة الانتقالية،ونموذج واضح في هذا المجال دولة جيكوسلوفاكيا التي تم فيهابيع أملاك الدولة ببطء،ولم تتعامل جيكوسلوفاكيا كدولة شيوعية،بل كدولة مابعد انهيار جدار برلين حيث مرت بمراحل من الازمات الاقتصادية، لذا كان الاجدر بها أن تعمل ببطء وليس بسرعة كما هو الحال في بولندا،وفي بعض الدول مثل العراق الذي يمتلك مصادر طبيعية ثمينة ليس من العجب أن تستشري فيه ظاهرة الفساد وفي أعلى المستويات،قد تفيد الشفافية وانفتاح الاسواق في التخفيض عن مستويات الفساد،وان لم يكن شرطاً في معالجتها،ولكنها محاولة مهمة،والدول الغربية تتميز بأنها صاحبة سلسلة خطوات ومناهج وتاريخ مشهود من انفتاح الاسواق وافساح المجال أمام المواطنبن للمشاركة في الاسواق)).

اما البروفسور محمد علي كاديفار فيعيد سبب ظهور الفساد كموروث، الى الانظمة التي كانت تحكم قبل بدء عملية البناء الديمقراطي،لذا عندما تبدأ هذه العملية في اجواء فاسدة تبرز مظاهر الفساد بشكل جلي،وبهذالصدد اضاف قائلاً : ( في البداية فأنا غير متأكد من أن الفساد سيظهر في تلك المرحلة الانتقالية،وذلك لآن الانظمة السلطوية كانت أصلاً أنظمة فاسدة قبل تلك المرحلة، ولكن نظراً لعدم وجود الصحافة الحرة وعدم حصولنا على المعلومات الكافية لذا لم نكن مطلعين عليها في تلك المرحلة الانتقالية، ومن جهة أخرى فأن عملية الخصخصة توفر الارضية بحد ذاتها لظهور الفساد،لذا فأن العمل في هذه المرحلة لتبني الشفافية له اهميته الخاصة،لذا على الاحزاب السياسية و الصحافة ومنظمات المجتمع المدني ممارسة الضغط على المؤسسات لتبني الشفافية،ومن ثم التفكير في ايجاد الحلول الاخرى،وبدون الشفافية لا نتمكن من اداء اية مهمة،ومن جهة اخرى يعتقد البعض ان بناء الثقافة الديمقراطية هو التمهيد لتحقيق الديمقراطية،اي يعتقدون أن الديمقراطية لها شروط مسبقة و أن بناء الثقافة احد هذه الشروط،انا لا أتفق مع هذا التفسير ، واعتقد أن هاتين العمليتين تسيران بشكلٍ متوازي، و وجودالثقافة الديمقراطيةتدعم المؤسسات و وجود الاخيرة في الوقت ذاته تساعد على تطوير الثقافة الديمقراطية، وكما اشرت اليه سابقاً فأن هذه العملية بحاجة الى وقت،وعلى سبيل المثال فأن الديمقراطية الموجودة في العراق هي الان في مرحلتها البدائية، ولكن في غضون عشر سنوات وفي حال استمرارها فأن الثقافة الديمقراطية فيه سوف تتعزز أكثر مما عليها الان)).

وثمة رأي آخر يعتقد ان في كل الانظمة نسب معينة من الفساد،ولهذا يرى البروفسور جوليو صاموئيل ان لهذه الظاهرة وجوداً في كل الانظمة و تتطلب التصدي لها ،وبهذا الشأن قال ل( كولان): (قبل الاجابة على سؤالكم، من الضروري أن أورد لكم تعريفاً للمرحلة الانتقالية، ان المرحلة الانتقالية عبارة عن تعزيز الديمقراطية،اذا ماانتهت عملية بناء الديمقراطية، وبمعنى آخر اذا ما تم بناء واعداد كل العوامل الديمقراطية،حينئذٍ يمكننا القول بأن المرحلة الانتقالية قد انتهت،وبصدد الفساد،أعتقد أنه لايظهر في المراحل الانتقالية،بل ان هذه الظاهرة تكاد تكون موجودة في كل الانظمة، في الحقيقة ان مستوى ظاهرة الفساد في الانظمة الدكتاتورية اخطر بكثير مما في الانظمة الديمقراطية،وذلك لأنه في الاخيرة هناك بيئة اكثر انفتاحاً من حيث سيادة القانون والمحاكم التي تعاقب المفسدين.

ولهذا نجد أن مستوى الفساد في الانظمة الديمقراطية اقل بكثير مما لدى الانظمة الدكتاتورية،وحتى في الانظمة الديمقراطية فأن للفساد تأثيراً سلبياً سيما على صعيد النمو الاقتصادي،لان في اجواءٍ يسود فيها الفساد نجد المستثمرين لايثقون بالاستثمارات ، وفي الوقت ذاته فأن الفساد يسلب الشرعية من الحكم الديمقراطي،وذلك عندما يرى المواطنون إن السلطات والحكومة لاتلبيان مطاليبهم،و انما المسؤولين يستغلون مناصبهم و سلطاتهم للحصول على المزيد من الاموال بوسائل غير شرعية،ولاجل ان تعمل الديمقراطية بصورة اكثر فاعلية لذا فانها بحاجة الى نظام قضائي مستقل، ولولا وجود نظام قضائي مستقل عند المراحل الانتقالية فمن الصعب جداً ان تلقى عملية البناء الديمقراطي النجاح، ففي بداية المراحل الانتقالية يتم تشكيل البرلمان والحكومة،كما ان بناء النظام القضائي ضروري جداً، ولكن تشكيل نظام قضائي مستقل عملية طويلة المدى وبحاجة الى فترة أطول.


ترجمة / بهاءالدين جلال
Top