الفنان الدكتور كاظم نوير: الحركة التشكيلية العراقية تعيش تخبطًا منذ عقدين
August 17, 2020
مقابلات خاصة
كاظم نوير مولود في الديوانية (العراق) سنة 1967، حصل على دكتوراه فلسفة في جماليات الرسم الحديث عام 2001. في عام 1988 أسس "جماعة التعبير" وشارك في معارضها، ونال العديد من الجوائز منها: الجائزة الاولى في مسابقة جواد سليم في الرسم، جائزة الدولة التي تقدمها وزارة الثقافة العراقية في مجال الرسم...حاوره: عماد الدين موسى
يُعتبر الفنان التشكيلي العراقي كاظم نوير من التجارب التشكيليّة العربيّة البارزة في عالم الفنّ التشكيلي ونقده، بالإضافة إلى عمله الأكاديمي أستاذًا في كلية الفنون الجميلة بجامعة القادسيّة؛ حيثُ أصدر ثلاثة كتب نقديّة، وكتب العديد من المقالات والبحوث في مجال الفن التشكيلي، كما شارك في كثير من المعارض المشتركة داخل العراق وخارجه منذ أواسط الثمانينيات من القرن الفائت وإلى يومنا هذا. عدا عن عشرات الدراسات النقدية التي تناولتْ تجربته وأعماله الفنية، أهمّها كتاب نقدي بعنوان "كاظم نوير.. الغصن الذهبي في الرسم العراقي".
ضيفنا، المولود في الديوانية (العراق) سنة 1967، حصل على دكتوراه فلسفة في جماليات الرسم الحديث عام 2001. في عام 1988 أسس "جماعة التعبير" وشارك في معارضها، ونال العديد من الجوائز منها: الجائزة الاولى في مسابقة جواد سليم في الرسم، جائزة الدولة التي تقدمها وزارة الثقافة العراقية في مجال الرسم، والجائزة الأولى في نقد الفنون التشكيلية في مسابقة "مبدعون" التي أقامتها مجلة "الصدى".
للحديث حول تجربته الفنّية الخاصة، وكذلك للوقوف عند هموم ومتاعب المشتغلين في مجال الفن التشكيلي، هنا حوار معه:
(*) ما الذي يوفره الفن لك من متعة وأنت من أكثر الفنانين الذين يتعاملون مع متغيرات السطح التصويري؟
- الفن له سحره الخاص، إذ ارتبط بي وارتبطت به، لعقود طويلة أعيشه وأتنفسه، وأنا في حوار وملاحقة في كل جوانبه، وجدت أملًا وسعادة فيه على الرغم من أن هذا العشق فيه من المكابدات والترجي، بل والتعب الكثير؛ لكنه في النهاية يصب في سحره وأعجوبته، الفن سحر ولعب وأمنيات ووجود، وهو فطرة إلهية وهبة للإنسان، ولذلك أقول إننا لا نستطيع الفكاك منه، وهو يرتبط بالحياة والجانب اللعبي واللهوي فيه، هو جزء من الإنسان ومسيرته الطويلة في التاريخ. لكل سطح تصويري وتقنية إظهار متعة وسحر، هذا الجانب قد يكون غريبًا عند بعض القراء، لكن أقول هذا لأن هذا الجانب ببساطة يشابه الأشياء المتعددة التي يعيشها الإنسان في المطبخ أو الأكل على سبيل المثال، لكل شيء خامة ومادة وتقنية خصوصيتها وذوقها الجمالي والنفسي، ولذلك لا بد أن نغادر أنفسنا والمتع القديمة إلى متع جديدة، ولا بأس من الاشتياق والعودة إلى المتع القديمة، فنحن في سياحة دائمة، نحن لا نقرر، أنفسنا وأرواحنا هي التي تُقرر!
(*) تغيرت فكرة الرسم لديك منذ مساهماتك في بينالي إيطاليا، ما الذي استجد مع رؤيتك للفن؟
- أنا منفتح على الجديد في الفن والحياة فضلًا عن الدراسات النقدية والفكرية الأخرى، وعندما شاركت في بينالي فينيسيا في إيطاليا، وهو الأهم عالميا واشترك ويشترك فيه أفضل فناني العالم، وهو اعتراف بأهمية التجربة الفنية، من كل ذلك تعرفت على تجارب مهمة، وبنى التفكير والإنتاج الفني والجمالي المعاصر في جوانب العالم المختلفة، من ذلك فإنّ تجربتي لا بد أن تتغير وتتحول، لكن هذا الموضوع أو الخصيصة موجودة عندي في الأساس، فإنك لو تتبعت تجربتي الفنية لأكثر من ثلاثة عقود ستجد إنني أجرب وأبحث وأحاور في تجاربي، وهذا أضاف لي مرونة إبداعية وخبرة في معالجة السطح التصويري، لذلك انتقلت إلى تجارب جديدة أخرى، مع العلم أنني استطيع الشغل في تجارب وتقنيات أكثر جرأة إبداعية وأكثر تقنية أيضًا، لكن ذلك يحتاج إلى مناخ وإمكانيات أكبر مما هو موجود في العراق، بل وفي منطقتنا بشكل عام. الفنان غير محكوم عليه بأن يعمل باتجاه واحد أو بأسلوب واحد أو تقنية واحدة، الحياة ربما تحتاج إلى تجربة فنية تحتويها كلها والنفس وتحولاتها، التجربة حسب ما أراها لا بد من أن تكون معادلة موضوعية لسجل النفس والعقل، أي أن يكون الفن مذكرات شخصية واستجابات لما أستقبله وأعيشه وأتحاور معه.. الفن وجود آخر لنا أو ظل للوجود بشكل لصيق لوجودنا.
(*) مارست الفن الواقعي والتجريدي والتعبيرية؛ إلى أي منهم تميل أكثر؟
- التجارب الفنية لا تنفصل عن حياة الفنان، ولذلك ليس من السهولة الحكم على الموضوع الذي أنتجه الفنان في مرحلة ما من حياته لأنه يمثله على الأقل في تلك المرحلة، العمل والإعجاب به من قبل الفنان يرتبط فيما أعتقد عندما يكون العمل الفني تعبيرًا صادقًا عما يشعر به الفنان ومن دون تصنع، عندما يكون معبرًا عن لحظة كونية يعيشها الفنان، زد على ذلك أن الفن كله جميل متى ما امتلك شروط وجوده الإبداعي أو الجمالي ولحظة التلقي والعرض والقراءة المناسبة، متى ما ارتبط بإنسانيتنا التي نشعر بها في لحظة تاريخية ما. من قال إن الفن التجريدي أفضل من الفن الواقعي؟ وهكذا بالنسبة لبقية الفنون أو الأساليب، اللوحات التي أنتجها فائق حسن عظيمة على الرغم من كونها واقعية والأعمال التعبيرية والتجريدية التي أنتجها فائق حسن رائعة جدًا على الرغم من كونها غير واقعية، كلاهما جميل وأعجب بها لأنهما صدرا عن روح عظيمة، وهكذا بالنسبة إلى واقعيات ماهود أحمد، أنا أفضلها على كثير من الأعمال التجريدية لبعض الفنانين الذين يتصنعون ذلك التجريد أو تشعر أنهم لم يخلقوا لعمل مثل هذا!، إذًا لا بد أن يرتبط العمل الفني بعلاقة وجدانية وروحية عظيمة مع خبرة كبيرة ومتنوعة وصدق في الإنجاز لننتج عملًا فنيًا كبيرًا مهما كان اتجاهه.. دائمًا ما يسألني طلبتي في كلية الفنون الجميلة، عن "أي الاتجاهات الفنية أفضل"؟ أو "بأي اتجاه أسلوبي تنصحني أن أعمل به أو عليه"؟، فأقول لا فرق عندي طالما أنت تبدع في ذلك الاتجاه والأسلوب، والمجتمع يحتاج الأساليب كافة، المهم النتائج وليس الأسلوب أو الاتجاه. الفن غالبًا ما يرتبط بالفنان العظيم أيا كان اتجاهه وأسلوبه، ولك أن تعود إلى بيكاسو شاهدًا على ما أذهب إليه وأدعو إليه، هكذا أرى نتاجاتي وأعمالي الفنية، قد تتفاوت النتائج، نعم، لكنها تمثل مرحلة مهمة على ما أعتقد، بالنسبة لي على الأقل، وهو ما أشارت إليه دراسات ومقالات كتبت عن أعمالي.
(*) من وجهة نظرك، من أبرز الأسماء التي أسست للحركة التشكيلية المعاصرة في العراق؟
- سأقول لك ومن دون تردد إن فائق حسن وجواد سليم هما من أسس لهذا الفن العظيم كله، هذا صحيح في الوهلة الأولى، لكن قد أبدو متسرعا هنا، فللتاريخ حكمه وسطوته، وللوراثة الجينية أو اللاوعي الجمعي أيضًا حضوره، إذًا هناك مؤسسون قبل فائق وجواد وهناك مؤسسون بعد فائق وجواد، ووضعنا لهما في هذا التمفصل التاريخي يؤكد أهميتهما العظيمة، وعلى الرغم من كل ما أنجزاه لم يكرما التكريم اللائق إلى الآن. قبل فائق وجواد كانت حضارات عظيمة وفنانون كبار، خذ مثلًا الفنانين السومريين والبابليين والأشوريين والعباسيين من مثل الواسطي، وبعد فائق وجواد خذ مثلًا شاكر حسن آل سعيد، ومحمد غني حكمت، وصالح القرغولي، وإسماعيل فتاح الترك، وكاظم حيدر، وخالد الجادر، ومحمد مهر الدين، وضياء العزاوي، وفاخر محمد وهناء مال الله وآخرين.. أغلب الفنانين المبدعين ساهموا ويساهمون في إدامة الحركة الفنية التشكيلية المعاصرة، ولا بد من الإشارة هنا إلى دور النقد والمثقفين الآخرين في الأجناس الثقافية الأخرى، ربما مثلًا أشير إلى المخرج صلاح القصب وهو مسرحي، أو أشير إلى الناقد عادل كامل أو شوكت الربيعي، ربما يختلف معي من يقيس الأشخاص بمستويات إنتاجهم، وهذا طبيعي لكن أريد أن أنبه دائمًا بأن كل بنية تتكون من عناصر، وهذه العناصر لا تشمل فقط ما له علاقة بالفن التشكيلي، بل تشمل ما للحركة التشكيلية من علاقات أو سياقات تنمو بها، ولذلك جوانب كثيرة ساهمت في البناء العظيم للحركة التشكيلية العراقية، منها من داخل الحركة التشكيلية ومنها من خارجها.
(*) ماذا عن حالة الحركة التشكيلية العراقية في المنافي؟
- الحركة الفنية للعراقيين في المنافي ترتبط بالفن التشكيلي العراقي بالداخل في الغالب، وأغلب الفنانين الذين هاجروا كانت تمتلكهم أحلام ليست واقعية، أغلب من يحمل في داخله الفن صدم، وأغلبهم فشل في إدامة زخم تجربته الفنية بسبب صعوبة الحياة والعيش في الغرب، على الرغم من أنه يبدو عند العامة وللوهلة الأولى عالمًا يتسم بالتسامح والقبول وحب الفن وتشجيعه، وأنك حالما تصل ستتلقفك الشقراوات وستمتلئ جيوبك بالدولارات وستقضي حياتك سائحًا على الشواطئ، لكن الحقائق والوقائع تشير إلى حياة قاسية جدًا، ولا بد من أن تحصل على رزقك لتعيش هناك، في عمل مضن ولساعات طويلة وفي عمل هامشي وبسيط في الغالب. قليل من استطاع أن يحصل على فرصة لبيع أعماله الفنية، ومن ثم يستطيع أن يستمر بعمله بالهمة نفسها التي كانت في داخل العراق ويستطيع أن يطور تجربته، أو يتقوقع على نفسه وتجربته ليحافظ على إمكانية حصوله على المال بالأسلوب الفني ذاته. أغلب الفنانين العراقيين المغتربين، وهم بأعداد كبيرة، لم يستطيعوا الاندماج بالمجتمع بشكل كامل أو بالحركة الفنية الغربية بشكل كامل، وبقي الفنان المغترب في حيرة من أمره، لم يستطع أن يكون غربيًا أو أن يبقى عراقيًا، وفي ظل البحث عن الذات وتجاوز مرحلة الاغتراب تضيع السنون منه، أو يعيش حياة افتراضية في وسائل الاتصال الاجتماعي. وأريد أن أذكر أن هناك أزمة مالية حقيقية في عمليات بيع وشراء الأعمال الفنية على مستوى العالم لأسباب مختلفة، وإن أغلب الفرص التي قد يحصل عليها الفنان في خارج العراق تعتمد على الحظ، بعض التجارب العراقية كانت مهمة داخل العراق، وحينما اغتربت لم تستطع فعل شيء مهم.
*) ماذا عن الجيل الجديد من الفنانين التشكيليين في العراق؟
- الجيل الجديد يعيش أيضًا حيرة من أمره، فالحركة التشكيلية العراقية تعيش منذ عقدين تخبطا وفوضى، وهذه تزداد يومًا بعد آخر، فقاعات العرض بدأت بالتلاشي وكذلك الذين يقتنون الأعمال الفنية والنقاد أيضًا الذين إما لا يسمع لهم وإما ضاعوا وسط أعداد وسائل الأعلام الكبيرة وضجيجها. نحن ندعو دائمًا إلى اتجاهات وفنون وتقنيات جديدة، لكن كيف يتحقق هذا وسط سراب يلفنا وضياع الأسس التي تقوم عليها الحركات الفنية، كيف سيعمل الفنان وفق تقنيات حديثة ولا أحد يدعمه ماليًا مثلًا، كيف سيعيش ولا أحد يقتني منه عمله الفني، كيف سيشعر بقيمة ما يعمله والنقد يكاد يكون صوته مبحوحًا إلى حد كبير، ولذلك فالصورة غير واضحة على الرغم من أنه بين مدة وأخرى تظهر بعض التجارب الجميلة أو المثيرة، المتوقع والطبيعي أن تزداد أعداد الفنانين وتجاربهم الإبداعية في ضوء التوسع الكبير جدًا في أعداد معاهد الفنون الجميلة وكليات الفنون الجميلة وازدياد وسائل الإعلام والثقافة، لكن الذي يحصل هو العكس، هذه الصورة ليست موجودة في العراق وحده بالطبع.
(*) مَنْ مِنَ التشكيليين كان له الأثر الأكبر في نتاجك؟
- كثر، الفنانون الانطباعيون والتعبيريون والتكعيبيون، وفنانو ما بعد الحداثة، وفي العراق تجربة فائق حسن وجواد سليم، وشاكر حسن آل سعيد، وخالد الجادر، وإسماعيل الشيخلي، وآخرين بتأثيرات مختلفة، لم اقف على تجربة واحدة أو شكل واحد أو تقنية واحدة، الفنان الحقيقي يدرس كل ما يقدم له أو يشاهده ويحاول أن ينقب في داخله عن شيء يفيده منها، وهكذا بالنسبة للأجناس الفنية والثقافية المختلفة، العمل الفني الذي أؤمن به هو العمل الفني المفتوح مثلما التجربة الفنية، لا أصل ولا حدود ولا نهاية لتلك التجربة، ولا نهاية لذلك اللعب أو المتعة، فالفنان يتجدد ويعوم في مياه جارية ونقية، تلك هي تجربة بابلو بيكاسو وبول كلي مثلًا.. الفنان قد يتأثر برسم طفل، أو حلم، أو أثر على جدار.
(*) ماذا يشغلك هذه الفترة، وهل من مشروع جديد سيرى النور قريبًا؟
- أنا دائم العمل والتفكير في المشاريع الفنية والثقافية وكما تعرف هناك ركود في الحركة التشكيلية العراقية بعد الاحتلال الأميركي للعراق والى الآن، لكن هناك مشروع عمل لمعرض في أحد المتاحف الأميركية لموضوع يخص الآثار العراقية وطريقة تناول الموضوع فنيًا وبرؤية معاصرة.
diffah.alaraby