السفير الأمريكي السابق في دمشق: ليس بمستطاع أمريكا حل الأزمة السورية
October 16, 2019
مقابلات خاصة
كان روبرت ستيفن فورد سفير الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا خلال الفترة 2011-2014، ودخل في 2011 بين صفوف المتظاهرين السوريين المعارضين في 2011، وكان يرى حتى العام 2015 أنه في حال قامت أمريكا بدعم المعارضة السورية لما استطاع الجهاديون الاستحواذ على الثورة...كان روبرت ستيفن فورد سفير الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا خلال الفترة 2011-2014، ودخل في 2011 بين صفوف المتظاهرين السوريين المعارضين في 2011، وكان يرى حتى العام 2015 أنه في حال قامت أمريكا بدعم المعارضة السورية لما استطاع الجهاديون الاستحواذ على الثورة. كان هذا الدبلوماسي الأمريكي من المؤيدين الرئيسيين للحل السياسي في سوريا والإطاحة بنظام الأسد، لكن تغير موازين القوى لصالح الأسد أقنع روبرت فورد في العام 2018 بتأييد قرار ترمب سحب القوات الأمريكية من سوريا، في الوقت الذي ليس لدى أمريكا الخيار والقدرة على التأثير على المستقبل السياسي لسوريا.
كان روبرت فورد خلال الفترة 2008-2010 نائباً للسفير الأمريكي في العراق، وكان قبل ذلك، في الفترة 2004-2006 المستشار السياسي للسفارة الأمريكية ببغداد، لهذا يغلب الظن على أنه كان له دور كبير في وضع أسس المؤسسات العراقية وكتابة الدستور العراقي.
* قبل سنوات من الآن، أعلنتم أن الدعم الأمريكي للكورد لن يستمر، وها هي أمريكا تدير ظهرها لقوات سوريا الديمقراطية، بعد أن قدمت هذه القوات أحد عشر ألف شهيد وأسرت 1800 من مسلحي داعش. لماذا أدارت أمريكا ظهرها للكورد في هذا التوقيت؟
روبرت فورد: من المهم أن ندرك أن دونالد ترمب عندما كان مرشحاً للرئاسة، في 2016، كان خلال حملته الانتخابية يردد باستمرار أنه يريد سحب القوات الأمريكية من شرق الفرات بعد هزيمة داعش.
* ألا يؤدي تخلي ترمب عن الكورد، إلى إبراز صورة أمريكا التي لا تلتزم بعهودها مع أصدقائها وحلفائها في العالم وبين حلفائها. بخلاف روسيا التي تستمر في مساندة حلفائها إلى الأخير؟
روبرت فورد أعتقد أن من المهم أن ندرك بأن التحالف بين الكورد وأمريكا كان بسبب داعش، وداعش فقط. كان هذا ما يقوله ترمب باستمرار. أنا أرى بأن بعض قادة الجيش الأمريكي وبعض الدبلوماسيين الأمريكيين لم يوضحوا تماماً ما يريده ترمب من أقواله تلك.
* حسب رأيكم هل هذا تصرف صائب أم لا، أن يستخدم الكورد لقتال داعش ثم يتركوا لتركيا، هل هذه السياسة الأمريكية صائبة وجيدة؟
روبرت فورد: أعتقد أنه يجب أن نكون واضحين في أن كورد سوريا كانوا شجعان جداً، ومقاتلين جيدين. بدأت أمريكا بالتعاون معهم في حرب كوباني. أي في أواخر 2014، في عهد أوباما. لكن الكورد كانوا يقاتلون داعش في كوباني، ليس كمعروف يؤدونه لأمريكا، بل كان للكورد مصلحة دائمة في تلك الحرب. فهمُ هذا سهل. مساعدة أمريكا للكورد السوريين كانت في تلك الحرب، أي حرب داعش. هذا السؤال يختلف عن القول: هل على أمريكا أن تحمي الإدارة الكوردية في شمال شرق سوريا إلى الأبد؟ إنه سؤال مختلف.
* في السياسة الخارجية الأمريكية، يجري الحديث دائماً عن القواعد الأخلاقية وحماية حقوق الإنسان. الآن يقتل مدنيون ويشردون، وهؤلاء هم أنفسهم الذين رحبوا بالقوات الأمريكية وساندوها، ألا يشوه هذا صورة أمريكا؟
روبرت فورد: لا شك أن صور المدنيين في شمال شرق سوريا تنم عن وضع سيء جداً، هؤلاء السوريون يعانون، ويقتل بعضهم جراء الضربات الجوية. هذا مدعاة للأسف. نحن نقول نفس الشيء عن المدنيين في إدلب وحلب وحمص ودرعا. شاهدنا صور الناس وهم يتعذبون في جميع سوريا. المهم هو أن ندرك بأن أمريكا لا تستطيع حل مشكلة سوريا.
* تظهر بيانات وتصريحات البنتاغون ووزارة الخارجية أنهم لم يكونوا على علم مسبق بموعد ومضمون قرار ترمب وبأنه سيعطي الضوء الأخضر للهجوم التركي، ويقول حلفاء أمريكا، ومن بينهم إسرائيل، نفس الشيء. هل غير ترمب أسلوب إصدار القرارات في أمريكا؟
روبرت فورد: أسئلتك ممتازة. سؤالك جيد جداً. ينبغي أن أقول إنني طوال مسيرتي الدبلوماسبة لم أجد رئيساً أمريكياً يعجز عن التنسيق مع فريقه. ترمب لا يستطيع التنسيق مع أعضاء إدارته. هذا سيء. أقولها بصراحة، أنا أرى أن كورد سوريا ومواطني شمال شرق سوريا يعانون من عجز ترمب في هذا المجال.
* يقول بومبيو: نحن لم نعط تركيا الضوء الأخضر، وفي نفس الوقت يقول: نتفهم مخاوف تركيا. هل عدم الوضوح هذا في الموقف، هو نتيجة لشعور أمريكا بالخجل من موقفها من الكورد؟
روبرت فورد: نعم، أعتقد أن هذا جزء منه. أعتقد أن كلامك صحيح، هذا قسم منه، أمريكا تشعر بالخجل. إن أصر مايك بومبيو على إيقاف الهجوم التركي، وكان في أثينا الأحد الماضي، لكان باستطاعته ليلة الأحد أو يوم الاثنين أن يقوم برحلة مدتها ساعة إلى أنقرة ويبلغ أردوغان رسالة خاصة. لكن إدارة ترمب لم تفعل ذلك. أرى أن من الواضح أنهم أعطوا الضوء الأخضر لتركيا بصورة غير رسمية. لا ينبغي أن نشعر بالاستغراب من هذا. فكما أقول باستمرار منذ سنتين، لا يريد ترمب أن تبقى القوات الأمريكية في شرق سوريا إلى الأبد.
* يقول ترمب إنه سيدمر أردوغان إذا تجاوز حدوده، أين هي تلك الحدود، هل ستنتهي عند تل أبيض ورأس العين. فقد قال أردوغان اليوم: سأقتل كل مسلحي سوريا الديمقراطية في شرق الفرات. أين هي حدود أردوغان؟
روبرت فورد: أظن أن الأمريكيين يفكرون في أمرين. أولهما، هل ستنحصر حرب الجيش التركي وحلفاء أمريكا، قوات سوريا الديمقراطية، في تل أبيض ورأس العين؟ هل ستبقى الحرب في مساحة صغيرة على الحدود بين تركيا وسوريا أم ستمتد إلى المناطق الأخرى؟ هذا أول سؤال بالنسبة إلى الأمريكيين. السؤال الثاني هو: ترى كم سيكون عدد الضحايا المدنيين؟ هل سيقتل عدد كبير من المدنيين السوريين؟ أعتقد أن أمريكا تراقب هذين الأمرين بحذر.
* تتقدم فصائل المعارضة السورية المتطرفة قوات الجيش التركي. هذه القوات تنشر فيديوهات تدعو علناً إلى قتل الكورد. فعلوا ذلك قبل عامين أيضاً في عفرين. هل ستلتزم أمريكا الصمت تجاه هجمات تلك الفصائل أيضاً؟
روبرت فورد: سؤال جيد. أعتقد أنه في حال جرت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان فلا شك عندي أن واشنطن ستكون لها كلمة. كما شاهدنا في إدلب، ورأينا في حلب، وفي حمص، ليس من المهم أن تكون لواشنطن كلمة أم لا. ما يهم هو هل سيخطو الأمريكيون أي خطوة أم لا؟
* كنتم في سوريا، وتعرفون الدولة السورية. الموقف السوري من الهجوم التركي الجديد ضعيف جداً، حتى أن الدعوة إلى اجتماع مجلس الأمن الدولي جاءت من بريطانيا وبلجيكا وليس من سوريا. كانت سوريا في الآونة الأخيرة تواصل وصف قوات سوريا الديمقراطية بالخيانة والتبعية لأمريكا. ما سبب ضعف الموقف السوري من الهجوم التركي؟
روبرت فورد: مما لا شك فيه أن دمشق تريد عودة الجيش السوري إلى مناطق شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. تريد دمشق استعادة السيطرة على شرق سوريا. كما تريد أن ترحل القوات الأمريكية عن تلك المنطقة. أعتقد أن أكبر سؤال يواجه قوات سوريا الديمقراطية وقياداتها السياسية الآن هو هل تستطيع روسيا مساعدتهم على خوض مفاوضات مع دمشق؟
* هل تعتقد أن المساندة الروسية لتركيا ستستمر أم ستنقلب لمساندة عودة سوريا إلى المناطق الكوردية وإلى الحدود مع تركيا والعراق؟
روبرت فورد: على ما أرى، فإن ستراتيجية روسيا الطويلة الأمد في سوريا هي: أن تغادر القوات التركية الأراضي السورية، وأن ترحل القوات الأمريكية من سوريا. بل ربما تريد رحيل القوات الإيرانية أيضاً من سوريا. أظن أن روسيا ستفرح بتوقيع اتفاق بين القيادات السياسية لقوات سوريا الديمقراطية وبين دمشق. بحيث يمهد ذلك الاتفاق لانسحاب القوات الأمريكية والقوات التركية. روسيا سترتاح لهذا.
* الأجهزة الإعلامية تنشر باستمرار تقارير تشير إلى أن تركيا تدعم داعش. كما أن داعش قد استأنف منذ أيام هجماته في الرقة على قوات سوريا الديمقراطية، وبدأ مسلحو داعش في سجون قوات سوريا الديمقراطية يثيرون اضطرابات. إلى أي مدى سيعزز الهجوم التركي من قدرات داعش. خاصة وأن أمريكا كان تقول دائماً إن قوات سوريا الديمقراطية هي القوة الوحيدة في سوريا والتي يمكن الاعتماد عليها في حرب داعش؟
روبرت فورد: من وجهة نظري، من المهم أن تواصل قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على السجون التي تضم أسرى داعش. فإذا تمكن أسرى داعش من الفرار، لا شك أن بعضهم سيعود للقتال ضد قوات سوريا الديمقراطية، هذا ما لا شك فيه. أنا مدرك أن قوات سوريا الديمقراطية في وضع صعب، وأعتقد أن هذا سبب آخر يدعو إلى الاستعجال في الاتصال بروسيا وإقناعها بمصاحبتهم إلى طاولة المفاوضات مع دمشق.
* هل تعتقد أن التوترات في الشرق الأوسط تزيد والهجوم التركي يسرّعها؟
روبرت فورد: لا أظن أن إسرائيل ستتدخل. كما لا أعتقد أن السعودية والأردن سيتدخلان. كما أن العراق منشغل بمشاكله، وهو أيضاً لن يتدخل. ما تفعله تركيا مقبول من دول المنطقة.
* لماذا أدارت أمريكا ظهرها لكورد سوريا من الناحية السياسية أيضاً، فمن بين 150 ممثلاً في لجنة كتابة الدستور السوري الجديد لا يوجد سوى كورديين اثنين. بينما كانت أمريكا تقول في السابق إن حقوق الكورد في سوريا المستقبل يجب أن تكون محفوظة؟
روبرت فورد: سؤالك هذا أيضاً جميل. من المهم أن نفهم الآتي: تركيا وإيران وروسيا هي التي سيطرت على المحادثات الخاصة بسوريا في الأمم المتحدة. ليس لأمريكا تأثير كبير. أمريكا مهمشة في هذا السياق. لماذا؟ أمريكا مهمشة في هذه المسألة لأنه ليس لها أي تأثير في مناطق غرب سوريا، كدمشق وحمص وحلب واللاذقية وحماة. بينما لروسيا وإيران وتركيا تأثير ميداني في تلك المحافظات. لأن لكل من الحكومة والمعارضة السورية تحالفاتهما مع تلك الدول. ليس لأمريكا أي مشاركة في غرب سوريا حيث يعيش أغلب سكان سوريا. لهذا لم تستطع أمريكا أن تؤثر على عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بسوريا في الأمم المتحدة.
* كانت سوريا متصلبة في مفاوضاتها السابقة مع الكورد. كما أن أمريكا لم تؤيد تلك المفاوضات، وبعد زيارته إلى أربيل، بدأ وزير الخارجية الروسي يعمل على تدشين مفاوضات بين كورد سوريا ودمشق. هل تفضل أن يعمل الكورد على إنجاح تلك المفاوضات بأي ثمن؟
روبرت فورد: نعم أرى أن هذا موضوع عاجل بالنسبة إلى كورد سوريا. ليس أمامهم الكثير من الوقت، ويجب أن يدخلوا بسرعة في مفاوضات مع دمشق، وإن كانوا يقبلون مني، أقترح على أصدقائي الكورد في شرق سوريا الاتصال بالحكومة الإيرانية أيضاً.
* هذا يعني اليأس من أمريكا في المنطقة، أي لم يعد لأمريكا قوة وتأثير في المنطقة...
روبرت فورد: أرى أن يستمروا في الحوار مع أمريكا بلا شك، لكن أعتقد أن من المهم لقوات سوريا الديمقراطية وقيادتها السياسية أن تتحاور الآن مع كل الدول والحكومات المؤثرة.
* ماذا سيكون تأثير الهجوم التركي على إقليم كوردستان العراق. هل تعتقد أن الخطر زاد على إقليم كوردستان وأن هناك محاولات لتقليص سلطاته؟
روبرت فورد: لا أظن أن أنقرة ستعلن الحرب على أربيل. لا. لكن أعتقد أن أربيل تخشى من تدفق عدد كبير من اللاجئين من شرق سوريا إلى كوردستان العراق.
* الإعلام الإسرائيلي يهاجم بشدة إعطاء ترمب الضوء الأخضر للهجوم التركي. هل تعتقد أن ترمب سيغير موقفه وسيوقف الهجوم التركي عند حد معين، خاصة وأن للوبي الإسرائيلي تأثير كبير في الانتخابات الأمريكية؟
روبرت فورد: صحيح أن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا قوي جداً. لكن ترمب لديه قاعدته الجماهيرية الخاصة في أمريكا، وهي قاعدة جماهيرية مخلصة جداً. لا أعتقد أن اللوبي الإسرائيلي سينجح في تغيير موقف تلك القاعدة الجماهيرية.
* هل تعتقد أن ترمب ينفذ نفس سياسة أوباما في الانسحاب من الشرق الأوسط، لكن باعتماد خطوات وتعابير ومصطلحات مختلفة؟
روبرت فورد: أعتقد أن من المهم أن يفهم جمهوركم أن شعب أمريكا متعب من الحرب في الشرق الأوسط. لقد كان العراق تجربة سيئة جداً للأمريكيين. تجربة أفغانستان أيضاً كانت سيئة. يريد الأمريكيون أن لا يدخل جنودهم في أي حروب في الشرق الأوسط. يريدون أن تتوقف حكومتهم عن التركيز على الشرق الأوسط، لتتفرغ لمشاكل أمريكا الداخلية.
حاورته شبكة روداو الاعلامية