ريجيس دوبريه (أرسطو فرنسا والعالم) في لقاء خاص مع كولان:البيشمه ركه هم أمل الغرب في القضاء على أرهابيي داعش.- في لحظة تأريخية ظهرت كبطل للمقاومة ضد شياطين داعش وحامي الأقليات على المسرح السيا
October 28, 2014
مقابلات خاصة
كما أشار صديقي العزيز د. عادل باخەوان فی مقدمة هذا اللقاء فإن ريجيس دوبريه هو أرسطو فرنسا، إلا أنه يستحق القول بإنه أرسطو العالم فهو الى جانب كونه مؤلف كتاب (الثورة داخل الثورة)، مؤلف عدة كتب أخرى، والتي فضلا عن نشرها باللغة الفرنسية، فقد تمت ترجمتها الى اللغتين الأنكليزية والعربية، وغيرهما من لغات العالم، ما يعني أن فكر هذا الفيلسوف الكبير هو مصدر الهام لكل المثقفين والثوار في العالم، فهذا العالم الأنسان، فضلا عن كونه فيلسوفاً معروفاً و كبيرا، هو في ذات الوقت صحفي وثوري، كما أن والد دوبريه كان أحد كبار المحامين الفرنسيين وكانت والدته أحدى السيدات المعروفات التي كان لها دورها في معاداة الفاشية.. أكمل دوبرية في عام 1960 قسم الفلسفة في دار المعلمين العالية بباريس وهي أحدى أكبر المؤسسات الجامعية في فرنسا وهي ذات الجامعة التي تخرج منها جان بول سارتر و ديمون آرون.. و حصل دوبرية في عام 1965 على شهادة الدكتوراه في الفلسفة لكي يلقى محاضراته في الجامعة، إلا أنه، و بدل توجهه الى الجامعات، فقد ذهب في العام ذاته الى كوبا و من ثم الي بوليفيا ليتصل بالثائر العالمي تشي جيفارا.
ونشر أفكاره و توجهاته الفلسفية الثورية خلال أعوام 1965-1967 في كتاب(الثورة داخل الثورة) بعدها ألقت الحكومة البوليفية القبض عليه وأصدرت حكم الأعدام بحقه، إلا أنه قد تم تخفيض الحكم لاحقاً الى السجن لمدة(30) عاماً غير أن الحملة الكبرى التي شنها المثقفون بزعامة جان بول سارتر كانت وراء عدم بقائه في السجن لأكثر من(4) سنوات قبل أن يطلق سراحه، بعد ذلك توجه الى تشيلي ليلتقى الرئيس التشيلي آنذاك كما ألتقى خلال تلك الفترة الشاعر الكبير بابلونيرودا، هنا فقد حاوره د. عادل باخه وان في خضم هذه الظروف الراهنة ليتحدث الى قرائه في كوردستان بصدد العديد من المسائل الراهنة والمهمة الخاصة بالكورد و كوردستان وكان هذا الحوار.
• الصراع الشياطين..
ها أنا أجلس ثانية أمام ريجيس دوبرية و يدعوني ثانية ذلك الفيسلوف العالمي، الى منزله ويستقبلني هناك مع عائلته الكريمة، غير أن دوبريه، وعلى خلاف(المرات السابقة) أراد هذه المرة أن نتحاور معاً بشأن العديد من المسائل المهمة والحارة راغباً في الحصول على بعض الوقت بعيداً عن مكتبته الكبيرة و قصره الفلسفي أو حاضرته الفلسلفية ويهبط من تلك السماء العالية للحديث عن مجموعة من المسائل المهمة ذات العلاقة أبي أنا الشرقي والكوردي وبه هو الغربي، الفرنسي، وبي أنا المختص بالأجتماع، علاقتها به هو الفيلسوف، ونلتقى ثانية في قلب باريس وفي منزله، ذلك الفيلسوف الذي ظهر كأحد(المصادر) الرهينة للفكر العالمي عام 1971 وهو ذات العالم الذي ولدت فيه في أحدى قرى كوردستان عند سفح جبل(زوالي) ولم أكن قد ولدت بعد في عام 1966 وعندما نشر كتابه المعروف (الثورة داخل الثورة) ذلك الكتاب الذي أصبح لاحقا(الكتاب المقدس) لثوار العام..
في عام 1974، ويومها كنت لم أبلغ بعد أكثر من 3 سنوات من العمر، ولم أتعلم سوى بدايات الكلام، بينما عاد هو من أمريكا اللاتينية الى باريس، أمريكا اللاتينية التي وضع وأعد لها ريجيس دوبري وتشى جيفارا معاً الفكر والبرنامج الثوري وينشأن معاً جبهة عالمية لأنقاذ الشعوب المضطهدة، وعاد بعد قضاء(4) سنوات في سجون بوليفيا ورحيل صديقه تشي جيفارا الى باريس وصاغ مع فرانسوا ميتران هذه المرة برنامج جمع اليساريين الفرنسيين ومن ثم الفوز في الأنتخابات والوصول الى السلطة.
وفي عام 1979، ولم أكم قد بلغت بعد الثامنة من العمر، وقد أجبرني النظام البعثي على مغادرة قريتي وأتباع طريق المجهول مع عائلتي، فقد أنشا بعيداً عن العالم الصغير لذلك الطفل الذي يجلس أمامه الآن، حدثاً عالمياً كبيراً من جديد، وكان عبارة عن نشر كتابه الرائع(سلطة المثقف في فرنسا) والذي يعتبر حتى الآن كأحدى الروائع الفرنسية البارزة.
ريجيس دوبرية، أرسطو فرنسا الرائع، هو الذي يأبى أن يهدر دقيقة واحدة من عمره، توجه الى مبتسماً قبل أن آخذ مقعدى أمامه ويقول(كوردستان تعيش اليوم لحظة تأريخية كبرى، لحظة نادرة من تأريخكم، أنتم الذين تبرزكم وسائل الأعلام كأبطال و حماة من على المسرح السياسي، أبطال مقاومة(داعش) من جهة وحماة الأقليات من جهة أخرى.. هنا أدرك بلاشك ما يقصده دوبريه، ففي تلك اللحظة التي بودي أن أعبر فيها عن نفسي، فقد مرت وبسرعة حقبتان تأريخيتان في مخيلتي، تأريخ أمة عادت من جحيم الثورة وتأريخي أنا العائد من جحيم حروب الدكتاتور.
صحيح أن كوردستان تمر بلحظة تأريخية إلا أنه صحيح أيضا أن هذه اللحظة أو الحقبة حافلة بالأزمات والتعقيدات والعنف وقد ينجم أي تعامل خاطئ مع هذا الوضع الجديد عن مأسة كبرى.
- و ريجيس دوبريه هو أحد أعظم الفلاسفة الذين يدركون كيف يتم الأستماع الى المقابل، فهو الى جانب تربيته الراقية، يستمر أبدا في أبداء رأيه بكل صراحة:-
- أنتم الكورد من حقكم الطبيعي أتباع كل الطرق والوسائل من أجل بناء دولتكم الكوردية، إلا أن أحدى ماسيكم أنكم وكما تظهرون في هذه اللحظة التأريخية على المسرح السياسي العالمي كأبطال وحماة، فإنكم تظهرون بذات المظهر كرأس رمح لأوربا ضد أعدائها، إن مظهركم هذا كسيف بيد الغرب هو في حد ذاته مشكلة كبرى، فأوربا جميعاً تعتمد عليكم في القضاء على الشيطان، ثم أن القضاء على شيطان داعش مسألة مؤقتة، ولكن علينا ألا ننسى أن هناك (شيطاناً آخر والشيطان الأكبر هو أمريكا فقد تعلمت على مدى عمري و تجاربي في الحياة ألا نثق بها أبدا، والنظر بعين الشك الى كل حركة منها، في حين أنكم الكورد تعتبرون أمريكا كمنقذ، بينما أعتبرها أنا كتنين كيير هنا لا بدلي من كسر حاجز الصمت وتعريف دوبريه بالوجه الآخر للأحداث، سيما عن طريق العودة الى تأريح فرنسا ذاتها إلا أنه يقول: إن ما تقولونه أنتم ربما له علاقة بالوقت والمكان والمواقف و أوضاع أخرى، دعني أتحدث اليكم عن نموذج سريع أنتم تفهمونه جيداً أو تدركونه، فقد وضعت فرنسا الجنرال ديكول، في عام 1945، يدها في يد الجيش الأمريكي للتخلص من هجمات ألمانيا النازية، فالأحرار الفرنسيون لم يفتحوا أحضانهم للجنود الأمريكان فحسب، بل أنهم مواظبون على منحهم وتقليدهم الميداليات الذهبية سنوياً ثم أن الشعب الكوردي يواجه اليوم هجمة وحشية لجماعة يعتبر هتلر ملاكاً بالنسبة اليها، وفي خضم أوضاع كهذه فإنني أرى أن شرعية فتح الشعب الكوردي أحضانه، للجيش الأمريكي لمواجهة شياطين داعش، توازي شرعية أحتضان فرنسا الجنرال ديكول للجيش الأمريكي لمواجهة ألمانيا النازية ، أي بمعنى آخر يمكننا القول فإن الكورد يستخدمون الولايات المتحدة لمصالحهم الخاصة أسوة بأستخدام أمريكا للكورد في تحقيق مصالحها، هنا فقد ألتفت دوبري بشكل مفاجئ الى يمينه وألقى نظرة سريعة للوحتين صغيرتين لشارل ديكول ولينين وتلقف منى الجملة بذات السرعة:
- لو كنت الآن كوردياً، لكنت قد تحدث تماماً تتحدث أنت ولكان لي ذات الموقف إزاء أمريكا، فبحث الكورد عن حقوقهم السياسية هو بحث شرعي وليس لأحد أن يواجهه إلا أنني لا أعيش اليوم الأوضاع التي تعيشونها أنتم الكورد وليس لدى ماضيكم ولا أتعايش مع مآسيكم فلكم قراءتكم الخاصة للولايات المتحدة وفق منظاركم الكوردي ووفق مصالح شعبكم، غير أن قراءتي لها تختلف عن ذلك تماماً و بمنظار آخر، فبرأيي أن الولايات المتحدة وأينما تدخلت عسكرياً في تسعينيات القرن الماضي، قد خلفت وراءها مشكلات كبيرة و نمحت عن حروب داخلية و دمرت البلدان وتركت وراءها نهراً من الدماء، ونلاحظ ماذاحل بالصومال أو افغانستان أو العراق بعد تدخلها فيها، صحيح أنكم أنتم الكورد قد جنيتم مكاسب كبرى من أحتلال العراق وهو من أولى حقوقكم المشروعة، غير أن زهاء نصف مليون من البشر أصبحوا ضحايا أحتلال العراق ثم أن صدام حسين كان دكتاتوراً عنيداً وكان بالأمكان القضاء عليه بطرق أخرى وليس بالصورة التي أصبح فيها العراق اليوم، هنا بودي أن أتدخل ثانية:
- لأنني أرى أن هذا المقترح الذي يبديه العديد من الفلاسفة الفرنسيين والرائع من الناحية النظرية إلا أنه حافل بالمشكلات من الناحية العملية، وذلك لأن شيطان البعث عندما هاجم وبكل أنواع الأسلحة شعباً أعزل ويرتكب جرائم الأنفال بحقه، و يقصفه بالأسلحة الكيمياوية فلن بقى أمامنا طريق أخرى سوى التدخل العسكري الخارجي الذي يودي بنا الى أجواء أوضاع القضاء على الشيطان، فلنتحدث عن الوضع الراهن مثلاً: لولا طائرات رفال الفرنسية (وهي أقوى الطائرات التي تقصف داعش الآن الى جانب الطائرات الحربية الأمريكية كيف نتمكن من الحيلولة دون قيام شياطين داعش بأنفلة الشعب الكوردي مرة أخرى؟ هنا يبرز موقف دوبري حول هذه المسألة المهمة بقوله: لا أخفى عليكم أن أستخدام الطائرات الفرنسية بهذا الأسلوب هو الخطأ بعينه فلماذا يكلف طيار فرنسي بقصف داعش في الموصل في حين القرار هو أن هذه الحرب هي حرب الكورد أصدقاء الغرب ضد داعش أعداء الأنسانية، بل يجب أن يكون دور فرنسا بصورة أخرى، والأفضل أن تسلم فرنسا طائراتها للكورد بدل أستنفار عموم الجيش الفرنسي كي يخوض قوات البيشمه ركه حربها هي بدل قيامنا نحن بها والأفضل تسليح فرنسا لتلك القوات وتختلف أنواع الأسلحة وبما فيها الطائرات و مساعدة الكورد في بناء جيش نظامي قادر على خوض حروبهم لا أن تحارب الولايات المتحدة و فرنسا وألمانيا بدلاً عنهم، وقد قرر الرئيس الفرنسي دخول الحرب تحت تأثير الموجات العاطفية وإلا فليس هناك أية علاقة لهذه الحرب بالمقاييس العقلية .
- إن تحليلات ريجيس دوبريه هي صحيحة على مستوى مهم إلا أنني أرى أن هناك مستويات أخرى تتطلب التوضيح.. فصحيح نحن نعيش في عالم يتخذ الجانب الأكبر من قراراته تحت تأثير العاطفة إلا أن قرار الرئيس الفرنسي هولاند يتعلق قبل كل شئ بالمصالح العليا لفرنسا، فعلى المستوى الأقتصادي تم أستثمار مليارات الدولارات الفرنسية في كوردستان العراق، وعلى المستوى الأمني هناك أكثر من ألف فرنسي يحاربون في صفوف داعش وأن عودتهم الى فرنسا تعتبر كارثة كبرى وعلى المستوى التأريخي تعتبر فرنسا نفسها صديقا دائماً للكورد وعلى المستوى الديني فإن فرنسا تحمي مسيحي الشرق هذه كلها هي المشتركات التي تقف وراء قرار الرئيس الفرنسي ويجيبني ريجيس دوبريه بصورة مباشرة:
- هذه كلها صحفية غير أن أياً من هذه المسائل لا تعرض الجمهورية الفرنسية للخطر وتدفع بالريس لأعلان أوضاع الحرب ولا يمكن أعلان الحرب وأستدعاء الجيش من أجل أزاحة بعض (المتجاوزين) فهي مسألة تتعلق بواجبات أجهزة الشرطة والمخابرات وليس الجيش ثم أنه من المخجل أن تشارك فرنسا بهذه الصورة الضعيفة فما الذي يمكنها أن تفعل ب (طائرتى رفال) فقط وبالمقابل فإن فرنسا ذات حظ عظيم بإن هناك جيشاً كوردياً في المنطقة ويعتبر نفسه صديقاً لها، وبدلاً من أستخدام طائرتين فرنستين فقط وأظهارها بمظهر دولة أستعمارية على المسرح العالمي، فإن الأفضل العمل وراء(الكواليس وتقديم المساعدات العسكرية والسياسية والمالية لهذا الجيش الصديق ودون أن يحتاج الى ممارسات أخرى فقد أن الأوان أن تتفهم الولايات المتحدة وفرنسا بأنهما لم تعودا(شرطيين) للعالم فلدينا شئ أسمه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و هو المكلف بأتخاذ القرار الخاص بأثارة مثل هذه الحروب وعلى الدولتين أن تضعا قواتهما تحت أمرة وسيطرة المجلس وليس التعامل مع العالم وأداء دور الشرطي فيه وسوف أنشر غداً كتاباً أخرى لى بعنوان(ما الذي تبقى من الغرب) وقد تطرقن فيه وبالتفصيل الى هذه المسائل المهمة.
وأخيراً لا بد من القول: لقد ولدنا في زمنين مختلفين هو في باريس عام 1940 وأنا عند سفح جبل(زوالي) في عام 1971 وبعثنا في زمنين تأريخيين سياسيين متباينين وهو من أطفال المواجهة ضد هتلر وأنا من أطفال حقبة المواجهة ضد صدام.. وقد أجتمعنا وأنفصلنا بذات السرعة.
ترجمة / دارا صديق نورجان